على غرار سياسات ترامب تجاه إيران، التي عُرفت بسياسة "الضغط الأقصى"، يتّبع الحوثيون النهج نفسه مع منظمات الأمم المتحدة.
يحرص الحوثيون على بقاء منظمات ووكالات الأمم المتحدة تحديدًا في مناطقهم، وقد أكد ذلك زعيم الجماعة في آخر خطاب له، وهو صادق في ذلك. لكن الجماعة تمارس بحق هذه المنظمات سلوكيات مناقضة لهذه الرغبة، ليس لأنها تهدف إلى طرد المنظمات، وإنما لتغيير قواعد اللعبة.
وجه هذا الحرص نابع من كون هذه المنظمات بمثابة “البيضة الذهبية” لجماعة أصبحت مصنفة إرهابية، ويُضيق عليها الخناق الاقتصادي وإمكانية التواصل الخارجي والسفر. وليس سوى هذه الوكالات والمنظمات من سيساعدها في الحصول على أموال صعبة، وقدرة على تسفير قياداتها، والحصول على مساعدات تقنية وطبية لازمة.
مؤخراً، تعرضت الجماعة لضربات إسرائيلية قضت على عدد من قيادات الصف الأول السياسية والعسكرية، وهذا انكشاف كبير. نعم، لا تريد الجماعة الاعتراف داخليًا بهذا الانكشاف، كما يورد الخبير بالجماعة عدنان الجبرني، إذ تحيل الأمر إلى مؤامرة وتتهم عاملي منظمات بالتورط.
اتهامات من أجل الضغط والاذلال
تأتي هذه الضغوط في سياق الامتحانات الأخيرة التي يتعرض لها مكتب منظمة الأغذية في اليمن، والتي تُظهر بوضوح أن الهدف ليس فقط الاستمرار في الضغط من طرف الجماعة، بل تغيير سياسات الأمم المتحدة تجاه جماعة الحوثي.
سبق أن كشف، رياض الدبعي، أحد الناشطين اليمنيين المعنيين بانحرافات المنظمات الدولية في اليمن، أن جماعة الحوثي طرحت عدة شروط للإفراج عن أكثر من 50 محتجزًا من العاملين في منظمات دولية، منها: توظيف عدد مماثل تختارهم الجماعة، وتخصيص موارد أكبر، وتغيير الاتفاقات المعمول بها.
قلب المركز السيادي وتجاوز تبعات التصنيف الأمريكي
هذه الشروط لا تهدف إلى تسهيل استمرار عمل المنظمات أو توجيه أنشطتها لخدمة أهداف الجماعة فحسب، بل تستهدف أيضًا تغيير المركز القانوني للحوثيين وتجاوز فكرة التصنيف وآثاره عليهم. بل إن شرط تعديل الاتفاقات السابقة يعني أن الجماعة تسعى إلى ضرب جوهر البعد السياسي السيادي للحكومة اليمنية.
إن هذه التهديدات الأخيرة بحق موظفي المنظمات، على لسان زعيم الجماعة، تهدف إلى إخضاع الأمم المتحدة وإذلالها لتلبية مطالب الجماعة من ناحية، ووضع الحكومة الدولية والمجتمع الدولي في وضع المذنب إذا لم يمتثلوا للمطالب، باعتبارهم يفرطون بحياة الموظفين.
ضغط مدروس وموصى به داخلياً
كان الأولى من طرف الجماعة الحوثية المطالبة بإغلاق هذه المنظمات ومكاتبها في مناطقها كما تفعل جهات كثيرة تستاء من المنظمات أو تشك بها، لكن الجماعة اختارت الابتزاز وسياسة الضغط الأقصى. وقد تكون هذه السياسة نابعة من توصية مدروسة من بعض العاملين داخل المنظمات، ممن يدركون حرص مؤسساتهم على الاستمرار وسقف المرونة الممكن. وهذا ما قد يفتح الباب أمام احتجاز عدد أكبر من الرهائن اليمنيين الذين لا تعترف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بحقوقهم بشكل كافٍ.
التفكير الميكانيكي الأممي يقود إلى التفريط
على ضوء دالة التعامل الأممي مع الجماعة الحوثية، ورغبة المبعوث، انتهارا لانتهاء الحرب في غزة، في إحياء خارطة الطريق متجاهلًا الظرف العام وسلوكيات الجماعة تجاه الموظفين الأمميين، قد تستجيب الأمم المتحدة لشروط الجماعة وتتقبل بالذل طوعًا.
ستواصل الجماعة فرض شروطها مستقبلًا للحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدات.
والضحايا في النهاية هم العاملون اليمنيون الذين لا منفذ لهم لدى هذه المنظمات والهيئات، التي أظهرت بدورها تمييزًا واضحًا في تعاملها مع موظفيها المحليين، حيث لا توفر لهم الحماية اللازمة، ولا تبدو مستعدة لممارسة أي ضغط فعلي على الجماعة الحوثية.
د. مصطفى ناجي
من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك