مدينة الحبيلين في ردفان ليست بالنسبة لي مجرد مدينة، إنها المكان الذي عشت فيه أكثر من عشر سنوات كانت الأهم في حياتي، السنوات التي تشكلت فيها شخصيتي وتحدد فيها مساري الشخصي والمهني.
بدأت الحكاية عام 2001 بمطعم صغير في سيلة بلة لم يدم طويلًا، ثم توالت التجارب: محل ملابس نسائية، وأول مركز إنترنت ومعهد كمبيوتر في المدينة، ومحل اتصالات.
كنت أول من أدخل إليها الإنترنت عبر خدمة الدايل أب ثم ADSL، وأنشأت شبكة إنترنت محلية ما زالت حتى اليوم تحمل اسم (الزهر نت)، وقد أصبحت من أبرز الشبكات بفضل تطويرها من قبل إخواني حفظهم الله، وامتدت وتوسعت إلى جبال وسهول يافع.
ومن هذه المدينة كانت انطلاقتي لاستكمال دراسة الماجستير والدخول إلى عالم الإعلام.
هذه المدينة التي تحمل مبانيها آثار رصاص وقذائف القطاعين الشرقي والغربي، شهدت فيها بعيني بسالة رجالها وتكاتفهم في مواجهة القوات التي كانت تحتل المدينة وتنتشر في معظم جبالها.
عشت فيها لحظات الموت في منصة ردفان مساء 13 أكتوبر 2007؛ ذلك اليوم كان منعطفًا كاملًا ليس في حياتي فقط ولكن في مسار الجنوب وقضيته العادلة.
رأيت كيف انتفض أبناء ردفان دفاعًا عن سمعتهم، ووقفوا بالقوة والسلاح في وجه قلة من أبنائها زرعوا الخوف في طرقاتها وارادوا النيل من مكانتها وتاريخها.
كنت شاهدًا على تضحيات الناس؛ رأيتهم يبيعون مدخراتهم للذهاب إلى عدن وحضرموت وشبوة وأبين لحضور فعاليات الحراك الجنوبي.
ولمست فيها عمق التكاتف الجنوبي حين كان الجميع من يافع وردفان وحالمين والضالع كالجسد الواحد مواطن ومغترب.
طوال إقامتي في الحبيلين لم أدخل في خلاف مع أحد؛ كانت علاقتي بالجميع ودية قائمة على الاحترام.
وفي أصعب المراحل حاولت أن أقرب الناس من الإنترنت ووسائل التواصل لخدمة قضيتنا، أنشأت لهم مئات الحسابات وعلمتهم أساسيات الاستخدام، وحولت محلي إلى مركز إعلامي ينقل فعاليات الحراك الجنوبي ويوثق ما يجري من انتهاكات في المدينة.
ستظل ردفان منبع الثورة ومهدها، ونقطة التقاء الثوار .
ونأمل من القيادات الذين ينتمون الى هذه الثورة اليوم أن يستعيدوا شريط الذكريات ببطء شديد، لتصحيح المسار وإصلاح الاخطاء، وتذكر زملائهم في النضال الذين جار عليهم الزمن، حفاظًا على تضحيات الشهداء الذين قدموا حياتهم من أجل الجنوب وكرامة أهله ومستقبل أجياله.
#ياسر_اليافعي