آخر تحديث :الثلاثاء-02 ديسمبر 2025-12:47ص

حين يهرب وطن من أزماته إلى معارك الساق واللحية

الثلاثاء - 02 ديسمبر 2025 - الساعة 12:47 ص

د. فيروز الولي
بقلم: د. فيروز الولي
- ارشيف الكاتب


في بلد ينهار اقتصاديًا، ويتآكل اجتماعيًا، ويتشقق نفسيًا، وتضيع بوصلته السياسية بين عشرين لاعبًا خارجيًا، يصبح من الطبيعي أن يتحوّل ترند "الساق المكشوفة" إلى قضية وطنية، وأن يصبح شعر الذقن معيارًا للغيرة والإيمان وقوة الدولة.


هذه هي اليمن: المكان الوحيد الذي تستطيع فيه ساق امرأة أن تُحرّك مجتمعًا لا تحركه انهيارات العملة، ولا مجاعة تهدد الملايين، ولا حرب تقترب من عقدها الثاني.


أولاً: التحليل النفسي… لماذا يغضبون؟

الغضب الذكوري على السيقان ليس غضبًا دينيًا كما يدّعي أصحابه، بل هو إسقاط لعقد نقص نفسية لدى رجال فقدوا دورهم الاجتماعي الطبيعي.

إنه تعويض عن العجز السياسي والاقتصادي بمحاربة المرأة لأنها “الأضعف والأسهل”.

هذا ميكانيزم دفاعي يُسمّى الهروب الأخلاقي: عندما يعجز الإنسان عن مواجهة الفساد، يهاجم الأخلاق السهلة.

فالرجال الذين لا يستطيعون محاسبة مسؤول واحد على سرقة راتب مدرسة، يصبحون أسودًا عندما تظهر ساق معلمة.


ثانيًا: التحليل الاجتماعي… مجتمع يبحث عن فريسة

الترند كشف أن اليمن مجتمع يعاني من:

سطوة دينية غير منضبطة، تستيقظ فقط عندما يتعلق الأمر بالنساء.

ثقافة ذكورية موروثة تبقي الرجل فوق القانون والمرأة تحت المجهر.

جمهور إلكتروني متعطش للجلد، يبحث عن مسرحية يومية لينفس إحباطه.


لم يحدث قط أن خرج “أصحاب الدقون” للدفاع عن: نساء المخيمات تحت المطر، نساء الأراضي الزراعية اللواتي يعملن بلا أجر، نساء المستشفيات اللواتي يحملن أطفال النزوح.

فالقضايا الحقيقية لا تجلب لهم “اللايكات”، ولا تحقق لهم بطولة تويتر.


ثالثًا: التحليل الثقافي… ثقافة الهروب من كل شيء

في الثقافة اليمنية الحديثة، أصبحت المرأة واجهة الأزمة:

لا نناقش الفقر، بل نناقش شكلها.

لا نناقش الفساد، بل نناقش ملابسها.

لا نناقش انهيار التعليم، بل نناقش لون ساقها.


إنها ثقافة تُحوّل الجسد إلى معركة، لأن العقل لم يعد قادرًا على خوض أي معركة جادة.


رابعًا: التحليل السياسي… دولة تُدار بمنشورات

عندما تتحول “الساق” إلى قضية رأي عام، فهذا يعني:

غياب الدولة، غياب القانون، غياب المؤسسات.

وجود سلطات موازية تتحكم في المجتمع عبر التخويف الديني.


السياسيون أنفسهم يستفيدون من هذه الترندات: كلما اشتعلت حرب على المرأة، نامت الأسئلة الحقيقية: أين الرواتب؟ أين الخدمات؟ أين النفط؟ أين الدولة؟

السيقان هنا مجرد “مُلهٍ سياسي” لجمهور غاضب يفترض أن ينفجر… لكن يُعاد توجيهه نحو المرأة.


خامسًا: التحليل الاقتصادي… اقتصاد الساق

في بلد تتدهور فيه العملة، تنتشر البطالة، وتزداد القروض، ويقف الناس على أبواب الجوع، يصبح من المتوقع جدًا أن ينشغل المجتمع بقضية “الساق”، لأن الحديث عنها لا يكلف شيئًا.

بينما الحديث عن الفساد قد يكلف حياتك.

فالترندات الأخلاقية صارت اقتصادًا رخيصًا: صفر تكلفة، صفر مسؤولية، صفر تغيير.


سادسًا: التحليل الدبلوماسي… صورة اليمن في الخارج

صورة اليمن اليوم في الإعلام الخارجي: "بلد يشتعل بسبب فيديو ساق، بينما يغفل العالم عن حربه وفقره وفوضاه."


كيف سيحترم العالم جواز سفر بلد يخوض معركة وجودية مع ركبة امرأة؟

الدبلوماسية تبدأ بصورة وعي، وهذا الوعي يغتاله أول من يرفع راية الأخلاق في معركة لا أخلاقية.


الخلاصة: نساء اليمن في خطر

ليس الخطر هو الساق، بل:

الاحتكار المتطرف للأخلاق.

الذكورة المُدلّجة.

التدين الغاضب الذي يُهاجم المرأة بينما يحتضن الفساد.


الخطر أن يصبح المجتمع "شرطيًا أخلاقيًا" بلا أخلاق، وأن تكون المرأة هي الضحية الدائمة لكل فشل سياسي واقتصادي واجتماعي.


الرؤية للخروج من هذا الوباء الأخلاقي

دولة قانون لا دولة لحى.

تعليم يعيد للناس عقلهم قبل أن يعيد للبلد مستقبله.

إعلام يحاسب الفساد لا جسد المرأة.

حماية قانونية للنساء من الابتزاز والتحريض الإلكتروني.

تفكيك وهم الغيرة الدينية التي صارت أداة سياسية لا علاقة لها بالدين.