آخر تحديث :الأربعاء-24 سبتمبر 2025-01:10ص

ثورة ٢٦ سبتمبر.. والدرس الأعمق

الأربعاء - 24 سبتمبر 2025 - الساعة 01:03 ص

سامي الكاف
بقلم: سامي الكاف
- ارشيف الكاتب


في اعتقادي أن قراءة متأنية واعية لثورة 26 سبتمبر لا تتحقق بانتقاء ما نريد من نتائجها أو إلباسها ثوباً مغايراً للواقع أو عبر منظور التمجيد أو التشويه، بل بفهم الصعوبات التي واجهتها كما هي. فالثورات لا تُقاس فقط بقدرتها على إسقاط النظام القائم، بل بقدرتها على إنتاج بديل واضح المعالم. ومن هنا فإنّ تعقيدات المشهد اليمني آنذاك لم تكن مجرد عوائق عادية أو طارئة، بل كانت انعكاساً لبنية اجتماعية وسياسية لم تحسم أمرها بشأن ماهية الدولة، ولا بشأن مرجعيتها الفكرية أو السياسية.

لقد اتضح سريعاً أن الصف الجمهوري لم يكن كتلة صلبة موحدة كما يجب؛ بل كان مزيجاً متناقضاً من التيار الوطني، والتيار الديني، والعسكر، والقبائل، والقضاة، والتجار. وفي قلب هذا التعدد برزت معضلة المرجعية: هل تستند الدولة إلى الدين الذي مثّل أساس النظام السابق، أم تبحث عن صيغة دينية جديدة، أم تذهب باتجاه وطني مختلف؟

هذا التباين جعل التيار الوطني في موقع تصادم مع التيار الديني، بينما لم يكن الأول يملك بدوره رؤية محددة وواضحة حول طبيعة النظام السياسي الجديد. "كان هناك عدة أوجه للصراع في المشهد السياسي المحتقن ككل؛ صراع داخل صفوف الجمهوريين أنفسهم بين من يمثلون التيار الوطني، ومن يمثلون التيار الديني، وداخل من يمثلون التيار الأخير كانت لديهم إشكالية قائمة بذاتها: أية مرجعية دينية يمكن أن تكون عليها الدولة: المرجعية الدينية التي كانت قائمة في النظام السابق أو مرجعية دينية أخرى، وهو ما أدى إلى تصادم مع التيار الوطني الذي لم يكن هو الآخر لديه تصور محدد وواضح عن ماهية الدولة الجديدة، ولا عن جوهر النظام السياسي الجديد الذي صار في واجهة مشهد مكوناته ممن شغلوا عضوية مجلس قيادة الثورة: عسكر، وقبائل، وقضاة وتجار، ولم يحددوا بعد علاقاتهم بالديمقراطية وتقاطعاتها مع النسخ المختلفة للمرجعيات الدينية." (كتاب يمنيزم ص ٢٠٦).

وهكذا، فإن غياب التصور الجامع لم يكن مجرد قصور تنظيمي، بل في تصوري علامة على افتقاد البوصلة التي تحدد معنى الدولة ذاتها.

في الواقع إنّ الدرس الأعمق الذي تقدمه تلك التجربة هو أن الثورة التي بلا تصور واضح لمستقبل الدولة تتحول إلى فضاء للصراع المفتوح أكثر من كونها لحظة تأسيس. لذلك فإن إعادة قراءة ثورة 26 سبتمبر بموضوعية بحتة ليست عودة إلى الماضي، بل هي محاولة لفهم حاضر ما زال مرهوناً بتلك التناقضات الأولى. فغياب الإجابة عن سؤال الدولة قبل ستة عقود يفسر الكثير من أزمات اليوم، ويؤكد أن أي مشروع وطني حقيقي لا بد أن يبدأ من الحسم في ماهية الدولة، لا من تركها ساحة مفتوحة لإعادة إنتاج الانقسام ولعل الواقع الماثل على الأرض دال على هذا؛ وفاضح.

‎#سبتمبر26_مرعب_الحوثي

‎#اليمن 🇾🇪