اغتيال افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين في تعز، لم يكن مجرد حادث عابر، بل جريمة سياسية وأخلاقية كبرى، تتحمل وزرها قيادة المحور والأمن والشرطة، وإلى جانبهم المحافظ، الذي لا يتعدى دوره أن يكون لافتة شكلية تعلق عليها جماعة إصلاح تعز فشلها وتواطؤها وراء كل جريمة.
الرصاص الذي اخترق جسدها صباح الخميس في قلب المدينة لم يكن يستهدفها وحدها، بل استهدف الضمير والقيم والشرف والنزاهة، وهي صفات افتقدها المخلافي ومن يقف خلفه. كما استهدف كل امرأة تفكر في التقدم إلى موقع المسؤولية، وكل مواطن يظن أن للقانون قيمة في هذه المدينة المنهكة.
لكن الأخطر من الرصاص هو الصمت المريب والبطء القاتل في التحقيقات، ومحاولات التلاعب بها من قبل المسؤولين من قيادة المحور العسكري وقيادة الأمن والشرطة في تعز.
أي منطق يقبل أن تُغتال مسؤولة حكومية في وضح النهار وعلى بعد أمتار من المقرات الأمنية، بينما كان من المفترض أن الأجهزة على علم بالتهديدات التي تعرضت لها شهيدة النظافة والشرف؟ ومع ذلك اكتفت الشرطة بالتجاهل، دون توفير الحماية اللازمة لها. أي هزيمة أخلاقية ومهنية أكبر من أن تُقتل مسؤولة عامة تحت أنظار الأجهزة التي يفترض أن تحميها؟
التصريحات التي تبرر العجز، بحجة أن القاتل منتمٍ إلى لواء عسكري يقوده المخلافي وأنه محمي من قياداته، لا تعني سوى فضيحة مضاعفة: فالقاتل محمي رسميًا، والتستر قائم، والجريمة مغطاة بقرارات سياسية وعسكرية.
إن محاولات التغطية على بعض المطلوبين، أو توفير حماية غير معلنة لهم، إن صحت، فهي خيانة علنية لدماء المشهري واشتراك مباشر في الجريمة. التستر ليس حيادًا، بل تواطؤ يرقى إلى مستوى المشاركة.
قيادة المحور العسكري لا يمكنها أن تتنصل من مسؤوليتها فيما تقوم به بعض الفصائل المسلحة التي تعيث فسادًا في المدينة، وتتحرك بعلمها، وبعضها بغطائها. فإذا لم يُضبط القتلة وتظهر الحقيقة للعلن، فإن قيادة المحور ستكون في موقع الاتهام المباشر باعتبارها جزءًا من منظومة الفوضى التي أنتجت هذه الجريمة.
أما قيادة الشرطة، التي عجزت عن كشف عشرات الاغتيالات السابقة، فهي اليوم أمام اختبار مصيري. إن لم تنجح في تقديم الجناة إلى العدالة، فإنها ستسقط سقوطًا نهائيًا، وتتحول إلى مجرد واجهة هشة في مدينة تحكمها البنادق.
دم افتهان المشهري ليس ملفًا يمكن دفنه في أدراج التحقيقات. هو قضية رأي عام وامتحان حقيقي لقيادة المحور والأمن والشرطة. أي تمييع لهذه القضية يعني أن السلطة المحلية في تعز لم تعد سوى شريك في الجريمة، وأنها فقدت الحق في ادعاء تمثيل الدولة.
والسؤال هنا يتوجه مباشرة إلى الرئيس رشاد العليمي:
إلى متى ستبقى متخفيًا أمام ما يحدث في مدينتك تعز؟ وإلى متى يبقى دم النساء والرجال في هذه المدينة بلا عدالة؟ وما قيمة منصبك إذا كنت عاجزًا عن اتخاذ قرار يرفع معاناة المدينة، فقط ثم بإنشاء لجنة تحقيق ومنحها صلاحية كاملة على ان تكون مستقلة ونزيهة لمراجعة كل الجرائم التي شهدتها تعز،
وخارج شمسان من منصبه فهو الرجل الذي قبل ان يكون دوره موظف لا صانع قرار وشماعه موقعها الجدار، ومثل هكذا محافظ موقعه الرف لا السلطة.