آخر تحديث :الإثنين-22 سبتمبر 2025-01:07ص

اليمن وقد أحكمت القوى الظلامية حلقاتها

الإثنين - 22 سبتمبر 2025 - الساعة 12:12 ص

د. قاسم المحبشي
بقلم: د. قاسم المحبشي
- ارشيف الكاتب


( في الماضية، كانت الجريمة وحيدة، خجلة متفردة كالفضيحة فاذا بها اليوم غدت صاحبة الأمر والنهي)


في حياة المجتمعات البشرية ثمة لغة صامتة توصل المعنى الحقيقي بأسرع ما تفعله الكلمات فحينما تصحى المدينة على جريمة اختطاف مفكر عقلاني واستاذ جامعي من منزلة بعد منتصف الليل وضربه بالهراوات الكهربائية ورميه في مكان موحش وهو ينزف ثم يسأل رئيس مجلس النواب عن موقف مجلس نواب الشعب من هذه الجريمة المروعة ويرد بكل حزم وثقة ( مِنّ كَتّب لبُجْ) كما حدث للفيلسوف ابوبكر السقاف في صنعاء إذ تعرض للاعتداء الهمجي في 10 مايو 1995، لأنه كان يدافع عن الصحفيين الشباب الذين تعرضوا للسجن والتعذيب، وكان ما ناله من بشاعة أفظع بما لا يقاس من معاناة الصحفيين، وقد نشرت صحيفة “يمن تايمز” في اليوم التالي، صورته بعد الاعتداء عليه، بالألوان، فمن الذي يجرؤ على الكتاب بعد هذا الواقعة؟! قليلون جدا الذين واصلوا الكتابة باسمائهم وبعضهم كتبوا بعض المقالات الحساسة باسماء مستعارة وانا منهم. وحينما تسدل المدينة ستار نهارها على جريمة اغتيال شاب في عمر الزهور بسبب نص شعري بلاغي كتبه في صفحته بالفيسبوك قال فيه:( أنتم ترون الله بالقبور وأنا اراه في الزهور) كما هو حال ضحية الإرهاب الشاب عمر با طويل وهو ابن الشاعر محمد عمر باطويل. تم اغتيال في عدن ٢٠١٦م وحينما تستفيق

المدينة على جريمة اغتيال الشهيدة افتهان المشهري في مدينة تعز، على سبيل المثال، ليست مجرد حدثٍ فردي مأساوي، بل علامة فارقة على الانزلاق العميق نحو هاوية لم يعرفها تاريخ اليمن القديم أو الحديث: جريمة قتل امرأة في الفضاء العام، في قلب مجتمع طالما تباهى بكرم الضيافة وشرف القبيلة وحماية العرض فهذا له الف معنى ومعنى إذ يعني أنه العنف والإرهاب والتطرف لم يعد حالة طارئة في المجتمع اليمني بل تحوّل، بفعل التكرار والتراكم، إلى عادةٍ راسخة، ثم إلى بنية ثقافية متجذّرة تحكم الوعي والسلوك معًا. فاذا تكرر الفعل والسلوك صار عادة وإذًا ترسخت العادة صارت ثقافة تلك هي القاعدة. فالعنف الرمزي الخفي، المتمثّل في العادات والتقاليد والقيم القبلية الجامدة، يتكفّل بكبح الطاقات الإبداعية ووأد المواهب في مهدها، مانعًا أي إمكانٍ لنموّها وازدهارها. وحينما ينجح بعض الأفراد، رغم هذا السياج الخانق، في إظهار أصواتهم النادرة، يتدخّل العنف المؤسسي، الرسمي والأهلي، ليقمعها عبر أدوات القهر المباشر والتهديد الخفي. ويقال إن من خطط ونفذ جريمة اغتيال الشهيدة افتهان هو مدير التربية والتعليم في المدينة من جماعة الإسلام السياسي الإصلاح الذي كان رئيسه هو ذاته ما قال ( مِنّ كَتّب لبُجْ) ولسان التربوي الاخونجي هو :

(من حاول تنظيف اوساخ المدينة يجب اغتياله )

فمن يجرؤ على تنظيف اوساخ المدينة بعد هذه الجريمة؟ كتب خالد سلمان " الإصلاح بالتعبئة وبالإيحاء يوجه البنادق ضد خصومه ممن لايشبهونه.

وصف فتيات بغير المحتشمات هي دعوة للقتل ، وربما ذات الشيء تم مع إفتهان وهي تنظفهم من الوسخ.

الإغتيال زاده جملة ، وصورة يسبقان الرصاص.

وهذا ما يحدث في حلقات التنشئة الدينية المشوهة في تعز.

إرم جملة تكفيرية وستجد الف ابله قاتل" (ينظر، خالد سلمان، فيسبوك )


إنها اللحظة التي ينكشف فيها خواء الخطاب التقليدي عن الهوية والدين والقيم و“المروءة” ليظهر الوجه الحقيق لثقافة القوى الظلامية المهيمنة التي تجاوزت كل الحدود، فلم تبق حرمة لجسدٍ ولا قداسة لحياة حرم الله قتلها.

إن مواجهة ثقافة العنف تتطلّب أولًا تفكيك بنيتها العميقة في الوعي واللغة والقيم، وكشف آلياتها التي تعمل بصمت في اللاوعي الجمعي، قبل أن تتجلّى في الرصاص والسكاكين. فالمعركة الحقيقية ليست مع مظاهر العنف الظاهرة فحسب، بل مع جذوره الراسخة في ثقافةٍ لم تُتح بعد فرصةً للنقد الجذري والتحرّر من أوهام القداسة الزائفة. فمن يحمي المواطنين العزل إذ كانت السلطات المحلية عاجزة عن حماية موظفيها؟...