أكتب هذا وأنا أعلم أن كثيرين سيهاجمونني بالشتائم قبل أن يحاولوا نقاش الفكرة بعقل ومنهجية، لكن السؤال لا بد أن يُطرح: لماذا لم يشهد الشمال مقاومة حقيقية للحوثيين حين اجتاحوا صنعاء والمحافظات رغم أن كل الظروف المادية والبشرية كانت متوفرة؟
كانت هناك جيوش وأحزاب وتنظيمات، وفي رأيي المعضلة لا تكمن في ضعف الشجاعة أو قلة السلاح، بل في غياب الحس الوطني؛ العقلية السياسية والاجتماعية الشمالية نشأت على البراجماتية النفعية التي حكمت سلوك القوى السياسية والقبلية ولم تكن عقلية “الدفاع عن الوطن”، بل عقلية “كيف نحافظ على مصالحنا الخاصة”.
كل زعيم قبيلة أو قائد عسكري أو حزب سياسي وضع كفته في الميزان ببرود، وقرر: ماذا سأكسب أو أخسر؟ ومن سأخضع له كي أحافظ على امتيازاتي؟
حزب الإصلاح، وهو أكبر قوة منظمة، لم ينخرط في معركة وطنية بل في معركة حسابية: ما المكاسب الممكنة من التفاهم مع الحوثيين، وما الخسائر إذا واجهناهم؟ القيادات العسكرية فعلت الشيء ذاته؛ كثير منهم آثر الانسحاب أو التفاوض بدل القتال. حتى المرجعيات الدينية انغلقت في دوائرها الخاصة، تركز على حماية مراكز نفوذها ومصالحها، ورأينا كيف كان موقف السلفيين - مثلا - في الجنوب والشمال، في الثاني نأخذ الشيخ محمد الأمام الذي نظر للأمر بكل خطورته واتساعه من زاوية الحفاظ على مركزه الدعوي في معبر، بعيدا جدا عن مصلحة الدين والوطن عامة، بينما انخرط سلفيو الجنوب في المعركة من واسع أبوابها الى جانب القوى الأخرى من باب الوطنية الجامعة، وهنا يظهر الفرق الوضح في بًنية الوعي الجمعي.
الجنوب قدّم صورة نقيضة في كل مناطقة لم يكن هناك جيش نظامي أو حزب يقود المعركة. خرج الناس ببساطة لأنهم شعروا أن أرضهم تُغزى، وأن لا قيمة لأي مصلحة شخصية إذا ضاع الوطن.
المقاومة لم تكن تنظيماً منضبطاً بقدر ما كانت انفجاراً وطنياً، بلا صفقات ولا حسابات ضيقة.
هذا هو لب المشكلة: الشمال انشغل بالمصلحة الضيقة، والجنوب تحرك بدافع الوطنية: وما بين هذين النموذجين يتضح لماذا سقطت صنعاء بلا معركة، ولماذا صمدت عدن والضالع وشبوة وأبين بلا جيوش، وانتصرت، وانحنت صنعاء وعمران وصعدة وذمار بما فيها من جيوش وأحزاب وقبائل، وسلمت أمرها من دون مقاومة ؟
أ ليس هذا ماحدث، ويحدث حتى اليوم؟
هل يستطيع أحد أن يدحض ما أوردته هنا بالمنطق والواقع ؟؟
فليتفضل ..