شاهدتُ تعقيبًا للأخ علي البخيتي على مقابلة الأخ فهد الشرفي في بودكاست "مزيج" التي أجراها معه الأخ محمود العتمي، ولي مع البخيتي هذه الوقفة:
أولا: بدا أخونا علي البخيتي مدافعًا عن الإمامة بطريقة غير مباشرة، رغم محاولته أن يبدوَ مستقلا، غير متحيز حد قوله، من خلال مساواة السلفية والإخوان بالإمامة، وجعلهم في خانة واحدة تجاه الدولة والنظام السياسي، وإن حاولَ أن يستدرك بالقول أن الهاشمية السياسية "أعلى الأخطار"، وهذا محضُ خطأ وخطيئة وقع فيهما الأخ علي الذي لم يتضلع كثيرًا في قراءةِ تاريخ الجماعات الإسلامية بشكل عام: إمامية، إخوانية، سلفية، صوفية.. إلخ.
إلى جانب ذلك بدا غير مطلع على تاريخها السياسي في اليمن بصورة جيدة، على الأقل منذ منتصف القرن الماضي، مستشهدًا في سياق حديثه بفقاعة واهية لرجل دين مجدف، بعيدة كل البعد عن حقائق التاريخ، وهي قوله "أنهم أنشأوا الحركة الإسلامية ضد سبتمبر"، وهذا الكلام خطأ لسبب بسيط جدا، وهو أنّ إخوان اليمن مطلع الستينيات، ــ على قلتهم ــ كانوا جزءا من ثورة 26 سبتمبر، جنبًا إلى جنب مع رفاقهم من البعث والقوميين واليساريين والمستقلين وغيرهم، وعلى رأس هؤلاء أبو الأحرار محمد محمود الزبيري، وزير التربية والتعليم، وعبد المجيد الزنداني نائب وزير الأوقاف في حكومة الأستاذ نعمان في العام 65م"، وقبل ذلك كان للزنداني برنامج في إذاعة صنعاء بعنوان الدين والثورة، خصصه لتفنيد أكاذيب الإشاعات الإمامية ضد الثورة.
أزيدك من الشعر بيتا، كان عبده محمد المخلافي "مرشد الإخوان" نائبا لقائد المقاومة الشعبية في تعز أثناء حصار السبعين، وقد حضر مؤتمر الجند بتعز في العام 66م الذي حضرته قيادة الدولة كاملة، برئاسة المشير السلال نفسه، حسب المؤرخ عبدالملك الشيباني، في كتاب خاص عن المخلافي. إضافة إلى مقالاته في صحيفة الجمهورية آنذاك.
وأزيدك أيضا: لا يدري الأخ علي البخيتي والكثيرون ربما أنّ كلمات النشيد الوطني للجمهورية العربية اليمنية التي صيغت في آخر السبعينيات كانت من شعر الأستاذ أحمد العمّاري، أحد عناصر الإخوان المسلمين يومها، وممن شاركوا في ثورة 1962م، وفي حصار صنعاء من خلال برامجه الإذاعية، وأغانيه الوطنية التي غناها الفنان أحمد الآنسي والحارثي والثلاثي الكوكباني. واشتهر مؤخرا بإعداده برنامج "فتاوى" الذي كان يقدمه زميله عزالدين تقي. وقد كتبتُ عن ذلك مقالة خاصة قبل سنوات، ومطلع هذا النشيد:
في ظلّ راية ثورتي
أعلنت جمـهوريـتي
بعــزيمـتي وإرادتي
سجلت أعظم صفحة
ومضيت نحو القمــة
والله بارك وثبـتــي
والنشيد لحن وأداء أحمد الآنسي؛ أما الفكرة فمن مقترحات الدكتور عبدالعزيز المقالح. هذا ليس دفاعًا عن الإخوان هنا، هذا توضيح للحقيقة فقط، ومثل الإخوان السلفيون أيضا الذين لم نسمع من أحدٍ منهم يومًا ما أنه كفّر الدولة، أو انقلب عليها؛ بل على العكس ولي الأمر عندهم خط أحمر.
وعلى ذكر الزبيري آنفًا كان يمنيًا قبل أن يكون إخوانيا، وقد شهد صراعات حادة مع إخوان مصر في خمسينيات القرن الماضي بسبب علاقته بعبدالناصر، تكشف عن ذلك قصيدته إلى صديقه عمر بهاء الدين الأميري، بعد عتب إخوان مصر عليه؛ علمًا أنه درس في دار العلوم بالقاهرة على نفقة الملك عبدالعزيز رحمه الله، كما ذكر المؤرخ علي محمد عبده في كتابه لمحات من تاريخ حركة الأحرار اليمنيين 151/1.
ثانيا: يهمني أكثر التوقف عند فكرةٍ مغلوطةٍ ليس عند الأخ علي البخيتي فقط؛ بل عند غيره أيضًا تتعلق بالمعاهد العلمية التي رعتها المملكة العربية السعودية مشكورة، ولن ننسى صنيعها في ذلك، وأقول لك أخي علي: أنا ابنُ المعاهد العلمية، طالبًا ومدرسًا ومشرفًا، ومسؤول أنشطة لما يقرب من عشرين عامًا، أعرف مناهجها وأنشطتها وأدبياتها من ألِفِها إلى يائها، وحين أتكلم عنها فمن موقع المسؤولية أولا، ومن موقع الخبرة العلمية والعملية المباشرة.
ولن أكونَ مبالغًا إذا قلت أنّ المعاهد العلمية أكبر مؤسسة تنويرية وتثقيفية يمنية منذ مدارس المطرفية التي أبادها السّفاح ابن حمزة، وحتى قرار دمجها بالمدارس في مايو، 2001م، وقد ساهمت في صناعة جيل واعٍ، مثقف، معتدل، وطني، جمهوري، وحدوي، وتعرضت لأسوأ الإشاعات والأراجيف الإمامية التي كان يتزعمها الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وحسن زيد، ومعهما بعض متطرفي اليسار، والأول كان ينادي بضرورة إلغاء المعاهد العلمية؛ لكنه لم يناد بضرورة إغلاق حوزات أبناء عمومته في صعدة..!
وصل عدد المعاهد العلمية إلى حوالي 1200 معهدا على طول البلاد وعرضها، وفيها ما يزيد عن ستمئة ألف طالب وموظف، وحين صدر قرار رئيس الجمهورية بالدمج لم تتم عملية عنف واحدة على إثر ذلك؛ بل سلموا بقرار الدولة، وانساحوا مع زملائهم في المدارس، في الوقت الذي تبنى حسين الحوثي انقلابا مسلحا في صعدة وخلفه 15 ألف طالبًا في محافظة أو محافظتين!! وتخيل لو كان حسين الحوثي، والإماميون بشكل عام يمتلكون هذا العدد يومها؟!
سأفاجئك أخي علي هنا إذا قلت لك: أنّ مناهج المعاهد العلميّة هي نفسها بشحمها ولحمها مناهج وزارة التربية والتعليم، بما في ذلك كتاب التوحيد للشيخ الزنداني الذي كان مقررًا على المعاهد والمدارس على حد سواء، مع زيادةٍ ملحوظةٍ في بعض مقررات اللغة العربية والفقه والمواريث والمصطلح لا غير ميزت بها المعاهد نفسها. وكان الكتاب الذي يصرف لنا مكتوب عليه: وزارة التربية والتعليم.
أيضًا سأفاجئك بمعلومة ليست عندك بالتأكيد، درسنا في المعاهد العلمية مؤلفات الإمام الشوكاني وابن الأمير الصنعاني، وفي القسم الشرعي من الثانوية العامة كان طلابه يدرسون مسند الإمام زيد..!! "ألغي هذا القسم نهائيا عام 91م؛ فهل كانت حوزات الإمامة في صعدة تدرس كتاب الفقه لسيد سابق مثلا؟ دعك من سيد سابق، هل كانوا يدرسون الفقه الحنبلي أو الشافعي أو المالكي أو الحنفي؟!!
أزيدك من الشّعر بيتا.. كانت هناك مواد مقررة تفتقد لها وزارة التربية والتعليم، مثل مادتي التربية الفنية والتربية الاجتماعية، مكونتين من قسمين: نظري وعملي..! هذه مواد درسناها في دبلوم المعلمين نظام السنوات الثلاث..! نعم درسنا مادة اسمها التربية الفنية في المعاهد العلمية التي كان يدرس فيها الإصلاحي إلى جانب المؤتمري، إلى جانب السلفي، إلى جانب الاشتراكي، إلى جانب المستقل.
مرة أخرى تم تشويه المعاهد العلمية لسنوات طويلة، وأُلصق بها الإرهابُ زورًا وبهتانا، على ما قدمته للوطن، في الوقت الذي لم يتم الالتفات للإرهابيين الحقيقيين الذين نفذوا أول علمية إرهابية في اليمن بعد ثورة سبتمبر وهم عناصر إمامية، عرفوا بتلاميذ "سعيد أيوب"، في قلب العاصمة صنعاء، في مقر سينما بلقيس، بإشراف "الحاضري"، بداية ثمانينيات القرن الماضي، ولا يزال بعض الشهود عليها أحياء إلى اليوم، وبعد التحقيق في الحادث تم اكتشاف مخطط إرهابي كامل، من بينه إحراق بعض النساء بمادة الأسيد الخام، والتخطيط لتنفيذ أعمال عنف ضد السفارة السعودية بصنعاء..! وهات لي إرهابيا واحدا من خريجي المعاهد العلمية، مع أنه ليس حجة إن وجدت بعض العناصر.
الإرهاب لعبة دولية معروفة، والإرهابي أنور العولقي يحمل شهادة الماجستير في تكنولوجيا العلوم من جامعة "سانت دييجو" الحكومية في كاليفورنياالأمريكية..! فهل نستطيع إدانة الجامعة لأن أنور العولقي تخرج منها؟
أتكلم هنا عن المعاهد العلمية كمؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة، وموازنتها ضمن موازنة الدولة الرسمية، لا عن الإخوان المسلمين، فلست إخوانيا، ولن أكون، على الأقل لخمسمئة عام قادمة، أنا أتشرف بالانتماء للمؤتمر الشعبي العام، وعضو لجنته الدائمة، وقائم بأعمال رئيس فرع محافظة ريمة..!
لا تنسَ ــ أخي علي ــ أنّ أكبر المدافعين اليوم عن الدولة والجمهورية والواقفين شوكة في حلق الإمامة هم أبناء المعاهد العلمية بدرجة رئيسية، دون إغماط الآخرين جهودهم. مناضلين أحرارا ببنادقهم وبأقلامهم، وأجزم أنهم سيتضامنون معك في حال تعرضت لأيّ مظلمة.
عودة هنا إلى إخواننا السّلفيين، أقول: اتفقنا معهم واختلفنا، وتجادلنا معهم سنوات طويلة في الصحف والمجلات والمواقع، ولم نسمع منهم كلمة نابية، أو تكفيرا أو تفسيقا أو تبديعًا، كما لم يسمعوا منا ذلك، لم يلقوا منا إلا كل تبجيل وتقدير واحترام، ولم نلق منهم إلا الجميل، وإن من حالاتٍ شاذةٍ فإنها لا تمثل الوجهة العامة؛ خلاف كهنة الإمامة الذين كفّرونا وقتلونا وشردونا في شتى بقاع الأرض، وأنت أحدهم..! وشخصيا تربطني علاقة طيبة بالشيخ محمد المهدي، والشيخ أبي الحسن الماربي، وهما رأسان من رؤوس السلفية في اليمن.
أخي علي، بعلمك ــ وبعلم عجائز نيسابور أيضا ــ أنّ للإمامة إمامًا خفيا بعد سقوط حكمهم في 62م هو مجد الدين المؤيدي حتى توفي في 2007م؛ لأنه لا يجوز لهم أن يبقوا بلا إمام، خفي أو ظاهر، ولم نسمع عن إمام خفي لا للإخوان، ولا للسلفيين، ولا للمؤتمريين، ولا للاشتراكيين؛ إمامهم جميعا: السلال والإرياني والحمدي والغشمي وعلي عبدالله صالح وهادي والعليمي. وفي الجنوب كذلك، وهؤلاء يرفضهم الإماميون جميعا.
وقد قال لي ذات مرة محمد عبدالعظيم الحوثي في حوار معه، نشرته في صحيفة الجمهورية: كنا نتعامل مع علي عبدالله كما لو أنه رئيس دولة أجنبية؛ فهو رئيس غير شرعي، لأنه ليس من البطنين..! نعم هذا كلامه ولا زلت محتفظا بالمادة الصوتية إلى الآن. والحوار منشور على النت أيضا.
من الظلم أن تساوي بين أشكال غير متساوية أساسًا. وأن تضع هؤلاء جميعًا في خانة واحدة، وإن استخطرت الهاشمية السياسية قليلا.!
لقد كنتَ تعيشُ في صنعاء وسط السلفيين، ولم يعترض طريقك سلفي واحد، معركتهم لا تعدو أن تكون معركة مصطلحات عتيقة بعضها مضحك: مبتدع، فويسق، جويهل، ومن هذا. لا أكثر، كذلك الشأن مع الإخوان/ الإصلاح، معركة منشورات ومقالات على أسوأ الأحوال.
خلاصة القول.. لا نريد شيطنة أي فصيل يمني على الإطلاق، أو النيل منه، أو المواجهة معه ما دام في صفنا الجمهوري ضد الحوثي، خلافنا مع بعضنا البعض خلاف رؤى وبرامج، على العكس من خلافنا مع الإمامة خلاف وجود وكينونة.
والآن، هل اقتنعتَ أم ستصفني بالانحياز، كما وصفت الأخ فهد الشرفي بذلك؟!
د. ثابت الأحمدي