يوم من أيام استعادة مؤسسات الدولة: بدء استقبال طلبات الاستيراد عبر آلية المصارفة الجديدة
د. علي العسلي
يأتي هذا اليوم كعلامة فارقة في مسار استعادة الدولة لزمام المبادرة الاقتصادية وتعزيز حضورها في ضبط الأسواق وحماية الاقتصاد الوطني. فإطلاق آلية المصارفة الجديدة للاستيراد لم يكن قرارًا عابرًا، بل ثمرة جهود متناسقة بين البنك المركزي في عدن والحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، بالتنسيق مع الأشقاء والأصدقاء، لتحقيق استقرار اقتصادي ملموس على أرض الواقع.
هذه الآلية، التي بدأ العمل بها اليوم، تهدف إلى تنظيم استيراد السلع عبر البنوك وشركات الصرافة المرخصة وفق ضوابط واضحة، بحيث يتم توفير العملة الأجنبية للتجار عبر القنوات الرسمية، مع تحديد قائمة السلع التي يسمح باستيرادها، وإلزام المستوردين بتقديم طلباتهم مرفقة بالوثائق المطلوبة، لتقوم اللجنة الوطنية بتنظيم وتمويل الواردات بفحصها والموافقة عليها، ومنع دخول أي بضائع إلى المنافذ الجمركية ما لم تستوفِ هذه الإجراءات.
الخطوة تأتي امتدادًا لسلسلة من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي خلال الأسابيع الماضية، والتي أسهمت بشكل مباشر في انخفاض أسعار العملات الأجنبية أمام الريال اليمني بعد فترة طويلة من التراجع. وقد شملت تلك الإجراءات تعزيز الرقابة على قطاع الصرافة، وضبط المضاربات في سوق العملة، وتوحيد السياسة النقدية، وتشديد الرقابة على المنافذ الجمركية، فضلًا عن تنسيق الجهود مع الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان استقرار السوق.
النتائج الإيجابية لهذه الخطوة ستنعكس على جميع الأطراف؛ فالتجار سيستفيدون من الحصول على العملة الأجنبية بسعر رسمي أفضل من السوق السوداء، وسيقل تعرضهم لمخاطر التعامل مع قنوات غير آمنة، إضافة إلى تسهيل الإجراءات الجمركية عند وصول بضائعهم. أما المستهلكون، فسينعمون باستقرار نسبي في أسعار السلع الأساسية وتوفرها بجودة مضمونة، مع الحد من فوضى الأسواق وتقلب الأسعار الحاد.
كما تحمل هذه الخطوة أبعادًا سياسية واقتصادية مهمة، فهي تمثل استعادة تدريجية لسيادة الدولة الاقتصادية، ورسالة واضحة للمستثمرين المحليين والأجانب بأن بيئة الأعمال في اليمن تتحسن، خاصة في ظل التحديات الأمنية والسياسية القائمة، ومنها تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية دولية، وهو ما يفرض ضرورة ضبط التجارة وحماية السوق من أي تمويلات غير مشروعة.
ولضمان نجاح هذه الآلية وتحقيق أهدافها، فإن من المهم تسريع إجراءات البت في الطلبات لتجنب تعطيل البضائع، وتنفيذ حملات توعية شاملة للتجار والمستهلكين حول فوائد الالتزام بالقنوات الرسمية، وتشديد العقوبات على التهريب والمضاربة، مع تحفيز المنافسة بين البنوك لتقديم أفضل الخدمات للمستوردين.
ختامًا، فإن ما تحقق اليوم ليس سوى خطوة أولى على طريق طويل نحو التعافي الاقتصادي، لكنه يمثل بداية مرحلة جديدة تُبنى على التنسيق الوثيق بين مؤسسات الدولة وقيادتها التنفيذية، ووعي القطاع الخاص بأهمية الالتزام بالقوانين والأنظمة. ومع الشكر والتقدير لمحافظ البنك المركزي الموقر، ودولة رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، على جهودهم المنسقة والمتناغمة والمثمرة، وللأشقاء والأصدقاء على دعمهم الصادق، نأمل أن يستمر هذا الزخم حتى يكتمل البناء وتتحقق الأهداف المرجوة في استقرار العملة وإنعاش الاقتصاد الوطني.