بعض الطيبين جدًا يروّج لفكرة أن وجود قوتين متصارعتين في المنطقة، كإسرائيل وإيران، هو أمر “مفيد” لأنه يخلق نوعًا من التوازن ويمنع هيمنة طرف واحد. ولهذا يتخوّفون من سقوط إيران.
لكن هذا المنطق في جوهره جاهل وساذج.
أولًا، الصراع بين قوتين توسّعيتين لا يعني توازنًا إيجابيًا، بل يعني مزيدًا من الحروب بالوكالة، سباقات تسلّح، دمار، ووقود بشري من شعوب لا ناقة لها ولا جمل. التوازن الحقيقي لا يكون بين مشاريع عدوانية تتغذّى على القمع والطائفية والاحتلال، بل بين قوى تمثل مصالح شعوبها وتسعى لبناء السلم والتنمية.
ثانيًا، من يعتقد أن وجود إسرائيل وإيران في حالة “توازن رعب” هو أمر إيجابي، يتجاهل أن الطرفين موجودان فعليًا وقد أشعلا المنطقة بالحروب والصراعات.
إيران مثلًا مارست سياسات أدّت إلى تقويض الاستقرار في دول عديدة: زراعة ميليشيات ، تفخيخ طائفي، وتوظيف الدين أو الهوية لتبرير العنف.
وإسرائيل أشعلت حروبًا بلا نهاية، ناهيك عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
نفس “الطيبين جدًا” هم أيضًا أصحاب نظرية أن صعود بوتين وروسيا سيجعل العالم أفضل لأنه سيخفف من هيمنة القطب الواحد، وكأن وجود حذائين يدوسان على كفك أفضل من حذاء واحد!
وهم ينسون، أو يجهلون، أن مرحلة تعدد الأقطاب أثناء الحرب الباردة، كانت من أسوأ فترات الصراع.
كانت مليئة بالحروب بالوكالة: فيتنام، أفغانستان، كوريا، أمريكا اللاتينية، وغيرها.
بالإضافة إلى الانقلابات، الاغتيالات، والتدخلات في سياسات دول العالم الثالث. ملايين قتلوا، وشعوب بأكملها دُمّرت فقط لأن قوتين عظميين كانتا “تتوازنان” على حسابهم.
لا أعتقد ان عالم ما بعد إيران هو بالضرورة عالم هيمنة اسرائيل. القوة العسكرية وحدها لا تصنع هيمنة، واسرائيل معزولة ولا تملك أقليات طائفية لتلغيمها، ولا خطاب ثوري جذاب لترويجه للمغفلين، ولا تضليل ديني معتق من 1400 سنة تستلب به العقول.
ستظل إسرائيل تحديا مرا وشوكة في الحلق. لكن لنقل أن التركيز على عدو واحد أجدى واكثر تجميعا للطاقات والقوى.