آخر تحديث :الثلاثاء-10 يونيو 2025-12:42ص

ناشطون على جثث الضحايا: نضال السيلفي والمتاجرة بالقضايا

الإثنين - 09 يونيو 2025 - الساعة 11:08 م

حسين الوادعي
بقلم: حسين الوادعي
- ارشيف الكاتب


التضامن الاستعراضي هو أسوأ ما يقدمه الناشطون الغربيون للقضية الفلسطينية.

انتقادات كثيرة وُجّهت لغريتا ثونبرغ والناشطين الذين أبحروا بقارب بحجة فك الحصار عن غزة وتزويدها بالمؤن.

حذف الناشطون صور الابتسامات والضحكات والبروفايلات السياحية التي كانوا يلتقطونها على سطح السفينة بعد نشرها. فهذه الابتسامات السياحية لا تتناسب مع مهمة تدّعي إسناد مجموعة سكانية تتعرض للإبادة والتجويع!

كما أن القارب الصغير لم يحمل أي مؤن، وهدفه معروف مسبقًا أنه غير قابل للإنجاز. لكن ما المانع أن يحوّل الناشطون الرحلة السياحية المجانية إلى بطولة؟! وهل يمتلك الفلسطيني المحاصر القوة لرفض العبث بقضيته من قبل الناشطين الترفيهيين؟

القضية لم تتوقف هنا، بل حاول الناشطون تمثيل دور المُضحين بحياتهم عندما اقتربوا من سواحل غزة وقبضت عليهم السلطات الإسرائيلية كما هو متوقع.

وبعد عدة فيديوهات ومنشورات “هوليودية” تصنّعوا فيها تعرّض حياتهم للخطر، خرجت الصور لتظهرهم في أمان وهم يتسلّمون المأكولات والمشروبات من يد معتقليهم الإسرائيليين بنفس الابتسامات السياحية التي بدأوا بها الرحلة.

هذا التضامن الكاذب يدفع ثمنه الواقعون تحت مقصلة الإبادة.

ومن حق الفلسطينيين، بل من واجبهم، رفض وإدانة كل من يحاول المتاجرة بدمائهم وجوعهم — خصوصًا من “ الليبراليين البيض” و "ما بعد الكولونيالييين" الاستعراضيين الذين يختزلون القضية والهدف في مشهد استعراضي يضاف الى CV الفارغ للناشطية الاستعراضية والمتاجرة بالقضايا.



لمن لم يفهموا المنشور السابق…


التضامن الاستعراضي، performative activism، هو أن يبدو الشخص أو المجموعة وكأنهم يدعمون قضية ما، خصوصًا على وسائل التواصل، بينما الحقيقة أن كل شيء يدور حول الذات: كيف أبدو؟ كم متابعًا سأكسب؟ كيف سأصنع من “الإنسانية” منصة شهرة؟


هو ببساطة عرض مسرحي بطلُه ناشط يعشق الكاميرا أكثر من العدالة، ويحب الهاشتاغ أكثر من الحقيقة.


التضامن الاستعراضي لا يخدم القضايا، بل يخدم صورة الناشط. إنه استعراض مدروس: صورة هنا، “سيلفي” هناك، جملة درامية، وربما دمعة محسوبة… والهدف؟ لا تغيير حقيقي، بل إعجاب ومشاركة و”ترند”.


المأساة تبدأ عندما تُفرغ القضايا من جوهرها. فلسطين تتحوّل إلى كوفية وألوان علم على الستوري، البيئة تختزل في علب طلاء تُرمى على تماثيل، والعدالة تصرخ في شعارات لا أحد يفقه معناها.


الأنظار لا توجه إلى الضحايا، بل إلى المتضامن: بطل اللحظة، صاحب الابتسامة المصفاة والفلاتر المتقنة. تُرتكب الجرائم في الخلفية، بينما المشهد الأمامي محجوز بالكامل لنجوم الإنسانية الانستجرامية!


والأخطر؟ أن الناس يشعرون أنهم “أنجزوا” لمجرد تفاعلهم مع عرض بصري. القضية تبدو قوية ومنتصرة، والحقيقة أن لا أحد يتابع ماذا يحدث فعلًا على الأرض. البطولة تُمنح لمن يُتقن الوقوف أمام الكاميرا، لا لمن يُغيّر الواقع خلفها.


في جوهر هذا النوع من “النضال”، هناك نرجسية متوحشة تُسمى استعراض الفضيلة (virtue signaling): لا يكفي أن يبدو الناشط بطلاً، بل يجب أن يقدم نفسه كممثل حصري للأخلاق والحقيقة. في عيون المعجبين السطحيين هو بطل مطلق ينزع الاخلاق عن الجميع ويمتلكها هو وحده،بينما هو مصاص دماء رخيص على دماء الضحايا.


التضامن الحقيقي لا يحتاج منصة، ولا صورة مثالية، بل يتطلب قلبًا حاضرًا، وعملاً جادًا، واستعدادًا لدفع الثمن دون تصفيق أو لايكات.


وأنا أتحدّى أي ناشط استعراضي أن يتبنّى قضية واحدة فقط بشكل يخدمها لا يخدمه هو… دون صور، دون فيديو، ودون جمهور.