ولا أظنّكم تختلفون معي على أن هناك فرقًا واضحًا بين من يتقن اللغة العربية ويتحدثها بتلقائية، كما يفعل عارف حجاوي، وبين من يتكلفها ويتعامل معها كوسيلة لاجتذاب الإعجاب، مستندًا إلى مداعبات لغوية قد تكون سطحية في كثير من الأحيان.
أحمد فاخوري، على سبيل المثال، يُعدّ نموذجًا للغة المتكلفة؛ فجمله غالبًا ما تبدو ضعيفة ومفككة، تعكس إلمامًا محدودًا باللغة، ويزيدها ضعفًا الاستخدام المفرط للزوائد اللفظية، والنظرات المتكلفة، والمبالغة في نطق الحروف دون مبرر.
أما النموذج الذي أراه الأبعد عن الاستخدام السليم للعربية، فهو ما تقدمه من تُعرف بـ”فتاة النرد”. ومع التقدير لحماسها وحداثة سنها، فإنها لا تتمكن من إتمام جملة واحدة بالعربية الفصحى، وتعتمد في حديثها على العامية، وهو ما يتعارض مع طبيعة محتوى برنامجها.
وفيما يخص الشعر الذي تروّجه، من “القطربة” إلى “التشطير” و”التخميس”، فهو ينتمي إلى ما عُرف بشعر عصر الانحطاط في الأدب العربي، حيث فقد الشعر كثيرًا من مضمونه، وتحول إلى استعراضات لفظية وصوتية تفتقر إلى المعنى. يرافق ذلك بعض المظاهر التمثيلية المصطنعة لفتاة النرد، مثل الاعجاب المبالغ فيه بأبيات المتصلين السطحية، أو تلعيب الحواجب دهشة من كل قصيدة بلا معنى، والنبرات الصوتية المُتكلّفة.
اللغة العربية، رغم ما يُؤخذ عليها من صعوبات وتحديات، تظل لغة جميلة وعميقة. لكن محاولة تقديمها من خلال أسوأ ما ارتبط بها، كالمبالغة الموسيقية والصوتية، قد تسيء إليها وتفقدها اتصالها الحقيقي بعالم الإبداع.
وأختم هنا بإشارة إلى فكرة لمحمد عابد الجابري حول اللغة العربية، قد تُثير الجدل كما فعلت أفكاره الأخرى. يرى الجابري أن العربية لغة صوتية، وهذا ليس عيبًا بحد ذاته، لكن حين تهيمن هذه الخاصية على استخدام اللغة، تصبح الألفاظ أكثر أهمية من المعاني، بل قد يختفي المعنى تمامًا لحساب المتعة السمعية. وهذا بالضبط ما نراه اليوم في بعض المحاولات التي تُعيد إنتاج صورة العربية (الحسية-الصوتية) كما كانت في عصور الانحطاط، متجاهلة ما قدمه عصر النهضة من تحوّل في اللغة والمضمون مع بدايات القرنين التاسع عشر والعشرين