كشفت منصة ديفانس لاين المتخصصة في الشؤون العسكرية اليمنية عن خريطة تفصيلية لبنية الحكم داخل مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، تُظهر كيف منحت قيادة الجماعة قادتها العسكريين سلطات مطلقة في المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، محوّلة تلك المناطق إلى ما يشبه «إقطاعيات» يديرها أشخاص يعيّنهم زعيم الجماعة كـ«مندوبين ساميين» وحكّام فعليين بأمره المباشر.
وبحسب التقرير، فإن زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي قام بإعادة توزيع الخارطة الجغرافية للمناطق الخاضعة لسيطرته إلى ست مناطق عسكرية كبرى تُدار كوحدات حكم شبه مستقلة، يتولى كل منها «حاكم عسكري» من دائرته المقربة، معظمهم من الهاشميين المنتمين إلى صعدة أو من أصهاره وأقاربه، في نظام يقوم على الولاء العائلي والسلالي لا على الكفاءة أو الانتماء الوطني.
سلطة عسكرية مطلقة تحت ستار “الولاية”
وأوضح التقرير أن قادة المناطق العسكرية الحوثيين يتمتعون بصلاحيات شاملة عسكرية وأمنية وإدارية ومالية، ويُعاملون كـ«رؤساء أقاليم» فعليين، فيما يتحول المحافظون المعيّنون شكلياً إلى مجرد واجهات سياسية تُستخدم لإضفاء مظهر الشراكة المحلية.
ويظهر هؤلاء القادة في الاجتماعات الرسمية على رأس الطاولات بينما يجلس إلى جوارهم المحافظون والقيادات المدنية لتلقي الأوامر، في مشهد يعكس اختلالاً كاملاً في بنية السلطة.
شبكة من الأقارب والمصاهرة
التقرير أورد أسماء بارزة من المقربين من زعيم الجماعة، من بينهم:
عبدالكريم بدرالدين الحوثي، شقيق الزعيم، المعيّن قائداً للمنطقة العسكرية المركزية المسؤولة عن العاصمة صنعاء ومحيطها.
يوسف المداني (أبو حسين)، صهر عائلة الحوثي، يشغل قيادة المنطقة العسكرية الغربية والحاكم الفعلي لمحافظات الحديدة وحجة وريمة والمحويت.
عبداللطيف المهدي (أبو نصر الشعف)، من صعدة، يتولى قيادة المنطقة الرابعة التي تشمل خمس محافظات (ذمار، تعز، إب، الضالع، لحج).
جميل زرعة (أبو بدر)، قائداً للمنطقة السادسة التي تمتد من صعدة إلى الجوف.
وتشير المنصة إلى أن جميع هؤلاء يتمتعون بنطاق نفوذ يتجاوز المحافظين المدنيين والقيادات الأمنية الرسمية، حيث يتبعهم مباشرة قادة المحاور والأجهزة الأمنية ومسؤولو “التعبئة العامة”، وهو منصب مستحدث يجمع بين التحشيد العسكري والتعبئة الفكرية وجباية الموارد.
عودة إلى نظام ما قبل الدولة
وتصف "ديفانس لاين" هذا النموذج بأنه “نظام ما قبل الدولة”، قائم على القرابة والولاء العائلي، يحكمه منطق “الحاكم بأمر السيد”، حيث تُدار كل محافظة كإقطاعية مغلقة تابعة مباشرة لزعيم الجماعة، وتخضع فيها القرارات السياسية والإدارية للسلطة العسكرية والمذهبية المطلقة.
وأكد التقرير أن الجماعة تستخدم خطاب “الولاية” الديني كغطاء فكري لتكريس حكم سلالي مغلق، بينما الواقع الميداني يُظهر سلطة تتقاطع فيها المصالح بين القوة العسكرية والهيمنة الاقتصادية والدينية، في إعادة إنتاج صريحة لنظام الحكم الإمامي بوجه حديث وبإدارة مركزية من صعدة.
وخلص التقرير إلى أن سلطة الحوثيين باتت اليوم شبكة مغلقة من الولاءات السلالية والقرابية، تُدار بعقلية إقطاعية تجعل من اليمن خريطة مقسمة بين حكّام صغار تابعين لزعيم واحد، يحكمون بأمره وتفويضه الكامل، في واحدة من أخطر صور التمكين العائلي في تاريخ اليمن الحديث.