في واقعة تهز ضمير المدينة وتفضح تحول بعض المرافق الصحية الخاصة إلى سوق رابحٍ على حساب المرضى، يتعرض المرضى وذووهم لممارسات تعسفية واسعة تشمل احتجاز المرضى ومرافقيهم، أخذ الرهن، حبس المرضى داخل غرف مُخصصة حتى سداد المطالب المالية، وبيع مقتنيات المرهونين دون أي مساءلة واضحة.
أصبحت بعض المستشفيات والمراكز الخاصة في محافظة تعز، -بحسب شكاوى مواطنين وحالات متكررةـ مقابر مفروشة تنهش جيوب المرضى: تُغلِق أبوابها على سيارات المراجعين بالسلاسل، تُبدي رفضًا للإفراج عن الجثامين بحجة الديون، وتبيع أحيانًا المرهونات لتمويل مطالبها.
قصة مواطن تضرب الممارسات عرض الحائط
(ن،ع،أ) وهو مواطن من المدينة رواها بمرارة: عندما أغمي على زوجته وأنجبا مبكراً، قادها مسرعًا إلى أقرب مستشفى خاص وبحوزته 150 ألف ريال يمني فقط. رفضت إدارة المستشفى إجراء العملية الجراحية قبل اكتمال المبلغ، فاضطر إلى دفع رهن عبارة عن مجوهرات زوجته وحتى ملابسها لتأمين بدء العلاج.
بعد إجراء قيصرية ناجحة ولادة مبكرة واحتياج للحضانة، تراكمت الفواتير ليصل حسابه إلى نحو مليوني ريال يمني. اضطر لبيع أرض ويقول إنه دفع قرابة 1.8 مليون ريال نقدًا، بالإضافة إلى مجوهرات زوجته التي قُدرت قيمتها بنحو مليوني ريال أخرى. ثم بدأت المماطلة: يوم يقولون مسؤول الحسابات مسافر، ويوم يقولون راجعوا الإدارة — حتى تفاجأ بكشف حساب مُضاعف يتجاوز 4 ملايين ريال، مع تهم إضافية لإجراءات لم تُجرَ أو لم تُشرح له، فشعر بأنه ضحية «مؤامرة» لانتزاع الرهن.
نهاية روايته كانت استسلامًا خوفًا من أن ستحول الإجراءات القضائية دون استرداد ما دفعه؛ «نصحوني أرفع قضية لكني علمت أنني سأخسر أضعاف المبلغ للحصول على حقي»، يقول (ن،ع،أ)، مضيفًا أنهما - هو وزوجته -ظلّا يدعوان الله أن ينتقم لهما بعدما استُغل هلعهما وحاجتهما للعلاج.
ممارسات مرعبة تتكرر
حالات أخرى تروي ممارسات أشد قسوة:
مستشفى يخصص غرفة لحبس المريض ومرافقيه حتى يسددوا ما عليهم من مبالغ، وآخر يترك شابًا ينزف حتى الموت بحجة أن المبلغ الموضوع في الصندوق غير كافي لبدء الإسعاف، وثالث يستقدم أطباءً أجانب وعربًا لإجراء تدخلات بسيطة ثم يسجل لكل مريض علاجات بمبالغ باهظة (مثال: 100 ألف ريال يمني لكل إجراء) ويُلزم المرضى بشراء الأدوية من صيدلية المشفى بأسعار مضاعفة. كثيرٌ من هؤلاء المرضى يتوفون دون أن تُحاسب المستشفيات.
ماذا يقول القانون؟
من الناحية القانونية كما تُشير القوانين والأنظمة المعمول بها في اليمن لا يحق للمستشفيات حجز المريض أو بيع المرهون أو تملكه بشكل مباشر؛ فبيع الرهن يجب أن يتم عبر دعوى قضائية تتقدم بها الجهة الدائنة إلى المحكمة، حيث تصدر المحكمة حكمًا يبيح البيع وتسليم المبلغ المستحق للمرفق.
لكن في الواقع الميداني تبدو الثغرات والعبث في تطبيق القانون واضحة، ما يترك الباب مفتوحًا أمام ممارسات ابتزازية ومخالفة تضع حياة المدنيين وممتلكاتهم على المحك.
استغاثة ومطالب شعبية
تتصاعد الأصوات المطالبة بفتح تحقيق فوري وشامل في ممارسات المستشفيات الخاصة بمحافظة تعز، ومساءلة المتورطين إدارياً وقانونياً، وإعادة حقوق الضحايا، وتطبيق آليات رقابية صارمة على تسعير الخدمات الطبية وإجراءات التعامل مع المرهونيات وحماية الجثامين من «الاحتجاز» لأغراض مالية. كما يطالب مواطنون بسن عقوبات رادعة لأي مرفق صحي يتورط في حبس المرضى أو بيع المرهون دون حكم قضائي.
دعوة للسلطات والرقابة
ندعو النيابة العامة، وزارة الصحة، نقابة الأطباء، والغرفة التجارية والسكان المحليين إلى:
1. فتح تحقيق فوري في كل البلاغات المرتبطة بحجز المرضى وبيع المرهونيات في تعز.
2. إصدار تعليمات فورية بمنع حجز المرضى أو الجثامين لأي سبب مادي، وضمان الإفراج الفوري عن الحالات الإنسانية.
3. تفعيل آليات رقابة على أسعار الخدمات والصيدليات التابعة للمستشفيات الخاصة.
4. تعويض المتضررين وملاحقة كل من ثبت تورطه قانونيًا وإدارياً.
في مدينةٍ تُكابد الحروب وتدفع ثمنًا باهظًا من أرواحها وممتلكاتها، لا ينبغي أن تتحول أبواب المستشفيات إلى فخٍ للمحتاجين.
سؤال يفرض نفسه على الجميع: بأي حق تُحول الحاجة إلى علاج إلى جريمة مالية؟ وبأي قانون يُسمح للمريض أن يصبح «زبونًا» يُستهدف للربح غير المشروع؟