تعيش مدينة تعز حالة اختناق مروري متفاقمة، وسط فوضى الأسواق العشوائية التي تغطي الشوارع وتكتظ الأرصفة بعربات الباعة المتجولين، ما يحجب واجهات المحلات ويعرقل حركة المارة.
على أطراف الشوارع الرئيسية، تتراكم وسائل النقل العامة، لتزيد الأزمة حدة، ويصبح التنقل في شارع جمال الرئيسي، خصوصًا في أوقات الذروة، تحديًا يوميًا للسائقين والمواطنين على حد سواء.
وسط ضجيج المحركات وصيحات السائقين، يضطر المواطنون للسير بين المركبات بعد أن ابتلعت البسطات الأرصفة، في مشهد يعكس فوضى متفاقمة بلا حلول واضحة، رغم تكرار الحديث عن مشاريع لإعادة ترتيب الأسواق وتنظيم حركة النقل.
توجيهات المحافظ تصطدم بالواقع
محافظ تعز، نبيل شمسان، وجّه مرارًا بضرورة إزالة هذه الظاهرة، واصفًا إياها بـ"المزعجة والخطيرة"، لما لها من تبعات أمنية وبيئية وتشويه الشكل الحضاري للعاصمة الثقافية لليمن. إلا أن جهوده تصطدم بواقع أكثر تعقيدًا، حيث تتداخل المصالح وتغيب البدائل العملية.
الواقع الميداني: بين المطالب والتذمر
تحقيق ميداني أجريناه صباح الأربعاء كشف آراء مختلفة بين السكان وأصحاب المحلات والباعة.
هاشم، صاحب محل للعطور، قال: "وجود البسطات أمام محلاتنا يعرقل دخول الزبائن. الزبائن يفضلون الشراء من الباعة في الشارع لأنها أرخص، لأنهم لا يدفعون إيجارات، بينما نحن ملتزمون بدفع إيجار يصل إلى 300 ألف ريال شهريًا لأصغر محل. المنافسة غير عادلة وخسرت أنا وأصحاب المحلات المجاورة الكثير من الزبائن، ونحتاج إلى حل حقيقي من السلطات لتوفير أماكن مخصصة للبسطات".
المواطن فاروق أضاف: "الأسواق العشوائية تضيق الشوارع وتربك حركة السير، لكن نناشد السلطة أن توفر بدائل قبل الطرد". بينما يقول أحمد محمد: "نُحبس بالساعات داخل زحمة الشوارع بسبب هذه البسطات".
طه الحيدري حمّل مسؤولية الفوضى لـ"صندوق النظافة ومكتب الأشغال"، مشيرًا إلى أن التنظيم غائب ويُترك الشارع للعبث.
وجهة نظر الباعة: "نبحث عن لقمة العيش"
في المقابل، أكد أحمد حسن، أحد الباعة في سوق التحرير: "لسنا مخربين، نحن نلاحق الزبائن على الأرصفة لنكسب قوت يومنا". وأوضح آخر: "نؤيد التنظيم، لكننا نرفض الإذلال والابتزاز بسبب غياب البدائل."
مكتب الأشغال: لا تأجير رسمي لكن الفوضى مستمرة
مصدر مسؤول في مكتب الأشغال نفى وجود أي تأجير رسمي للأرصفة أو تحصيل رسوم من الباعة المخالفين، مشيرًا إلى أن أعمال الاحتجاز المؤقت للبسطات تتم تحت إشراف قانوني وتنتهي عادة بتعهد خطي. لكنه أقر بأن بعض الموظفين يسيئون استخدام صلاحياتهم، مؤكّدًا أن التأجير الاستثنائي مسموح فقط في المواسم والأعياد وتذهب عائداته إلى خزينة الدولة.
حقيقة صادمة: الأسواق العشوائية تموّل الفساد
رغم المبررات الإنسانية، كشفت التحقيقات أن الأسواق العشوائية تحولت من مصدر رزق للبسطاء إلى أداة نفوذ وتمويل لعصابات نافذة وموظفين فاسدين يمارسون الابتزاز ويستثمرون في الفوضى بعلم أو تغاضٍ من جهات رسمية.
ناشطون أكدوا أن غياب التخطيط الحضري وتداخل الاختصاصات بين السلطات المحلية وفشل الحملات السابقة، جعل من العشوائيات "قنبلة موقوتة" تهدد مستقبل المدينة ومواطنيها، وسط صمت الدولة وعدم مبالاة حقيقية بمعاناة السكان.
النهاية: مأساة الشارع المغصوب
تعز التي دفعت ثمن الحرب، تدفع اليوم ثمن الفوضى والفساد. ومع كل حملة إزالة تبدأ دون خطة واضحة، تستمر مأساة "الشارع المغصوب"، وتزداد الهوة بين المواطن والدولة، وبين الحاجة للعيش والحق في النظام.