في الوقت الذي يبحث فيه الشعب عن قطرة ماء نظيفة وسط صيف لاهب، كانت الأمراض تتسلل إليهم من حيث لا يدرون، لتتحول المياه إلى ناقلٍ صامتٍ لوباء جديد يضرب البلاد في العمق.
ففي مؤشر جديد على التدهور المتسارع في الأوضاع الصحية، أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود"، يوم الاثنين، عن تسجيل موجة جديدة وخطيرة من تفشي الإسهال المائي الحاد، اجتاحت عدة محافظات يمنية، في مقدمتها محافظة عمران شمال صنعاء، حيث استقبل مستشفى السلام بمدينة خمر أكثر من 2700 حالة إصابة خلال ثلاثة أشهر فقط (من 20 أبريل وحتى 20 يوليو)، تطلب ثلثاها الإدخال الفوري إلى الأقسام الداخلية.
المنظمة، وفي بيان رسمي، أكدت أن هذه الموجة بدأت أواخر أبريل، مما اضطرها إلى إعادة فتح مركز علاج الإسهال المائي في المنطقة وتوسيع طاقته الاستيعابية بنسبة تجاوزت 30%، في محاولة لمواكبة التدفق اليومي المتزايد للمرضى، الذين يُنقل نصفهم تقريبًا لتلقي الرعاية الطبية العاجلة.
الرقم الأكثر رعبًا في هذا المشهد، أن 29% من الحالات المسجلة كانت لأطفال دون سن الخامسة، وهي نسبة تُسلط الضوء على كارثة مزدوجة تضرب الطفولة اليمنية: المرض من جهة، وسوء التغذية وانهيار الرعاية الصحية الأولية من جهة أخرى.
ومع اشتداد حرارة الصيف والانقطاعات المزمنة للكهرباء، تفاقم خطر العدوى، إذ تعذّر على آلاف الأسر الوصول إلى مياه شرب آمنة، في ظل انهيار منظومات المياه والصرف الصحي والنظافة، ما خلق بيئة خصبة لتفشي الأمراض المنقولة عبر الماء، وعلى رأسها الإسهال الحاد والكوليرا.
وما يعمّق من فداحة الأزمة، هو ما وصفته المنظمة بـ"أزمة التمويل الحادة" التي أصابت المنظمات الإنسانية هذا العام، وأدت إلى إغلاق عدد كبير من مراكز علاج الإسهال خلال 2024، وهو ما ترك ملايين اليمنيين مكشوفين أمام موجات الوباء بلا حماية أو علاج.
وحذّرت "أطباء بلا حدود" من كارثة صحية وشيكة، ما لم تتحرك الجهات الدولية والمانحون لتوفير الدعم العاجل لضمان استمرار عمليات الإغاثة الطبية، خصوصاً في المحافظات التي تواجه تراجعًا حادًا في قدرات الاستجابة الإنسانية، داعية إلى تركيز الدعم على الفئات الأشد ضعفًا، وفي مقدمتهم الأطفال.