يرى خبراء ومحللون أن شحنة الأسلحة والتقنيات العسكرية المضبوطة في البحر الأحمر، مؤشر خطير على تصاعد رهان طهران على ميليشيا الحوثي، كقوة محورية ضمن شبكة وكلائها الإقليميين، بعد تراجع فعالية بقية أذرعها التقليدية في المنطقة.
وأعلنت قوات "المقاومة الوطنية" الأربعاء الماضي، عن تمكّن قواتها البحرية واستخباراتها العامة، من ضبط سفينة خشبية كبيرة في مياه البحر الأحمر، تحمل على متنها أكبر شحنة أسلحة مهرّبة من قبل الحرس الثوري الإيراني إلى ميليشيا الحوثي.
وذكر الإعلام العسكري التابع لـ"المقاومة الوطنية"، أن حمولة السفينة التي يصل وزنها إلى 750 طنا، تحتوي على منظومات صاروخية بحرية وجوية، ومنظومة دفاع جوي، ورادارات حديثة، وطائرات مسيّرة استطلاعية وهجومية، وصواريخ مضادة للدروع، بالإضافة إلى أجهزة تنصّت وعدسات تتبع حراري، وغيرها من المعدات والتقنيات الحربية المتطورة.
موانئ إيران
وبحسب منصة "يوب يوب" المحلية المتخصصة في تدقيق المعلومات وتقارير المصادر المفتوحة، فإن أدوات تتبع السفن عبر الإنترنت، تشير إلى أن سفينة الصيد سابقا "الشروا"، رست في الـ23 من أبريل/ نيسان الماضي، في ميناء "بندر عباس" بإيران، لمدة 20 ساعة، قبل أن تتحرك منه في اليوم التالي وتغلق إشارتها، لتظهر في الـ19 من مايو/ أيار الماضي راسية في ميناء جيبوتي.
وأضافت أن الصورة المنشورة للبيان الجمركي الخاص بالسفينة والصادرة من ميناء جيبوتي في الـ25 من الشهر الماضي، يشير إلى أنها يمنية، وتحمل مواد وحاويات مختلفة متجهة إلى ميناء الصليف بالحديدة، بقيادة ربان يمني اسمه، أمير أحمد يحيى.
ورجّحت المنصّة أن يكون دخول السفينة إلى ميناء جيبوتي، جاء بهدف الحصول على بيان جمركي مزيّف، يخفي حقيقة حمولتها، إلى جانب تحميلها مواد أخرى للتمويه.
تسليح متكامل
ويقول محلل الشؤون الأمنية، عاصم المجاهد، إن كمية الأسلحة والتقنيات المضبوطة، لا تأتي في سياق الدعم الإيراني التقليدي للحوثيين، بل تكشف عن مشروع تسليح نوعي متكامل لإعادة بناء قدرات الميليشيا البرية والبحرية والجوية بمنظومات متطورة، بحيث تصبح تهديدا لا يمكن احتواؤه، وطرفا قادرا على فرض معادلات جديدة.
وأضاف المجاهد لموقع إرم نيوز، أن البحر الأحمر تحوّل إلى ساحة نفوذ عسكري واستراتيجي لإيران، ولم يعد مجرد ممر للتهريب، "وهو ما يجعل الحكومة الشرعية أمام تحد كبير لإعادة هيكلة أولوياتها وتوسعة قواتها البحرية وتدريب وحدات استخبارات متخصصة عالية الكفاءة وإعداد استراتيجية انتشار وسيطرة واضحة على البحر الأحمر، للتصدي لهذا التهديد المتعاظم".
ووفقًا للمجاهد، فإن عملية ضبط هذه الشحنة الضخمة، مجرد إضاءة بسيطة حول ما يجري في الظل، خصوصًا أن هناك الكثير من الشحنات الأخرى التي لم تتمكن القوات من إيقافها ووصلت إلى الحوثيين، في ظل النمط الاستراتيجي الطويل الذي تتبعه إيران بالاعتماد على شبكات التهريب "التي لن تتوقف ما لم يتم التعامل معها بوصفها جبهة، وجزءا من بنية الحرب نفسها".
مركز ثقل جديد
من جهته، يرى الباحث في شؤون الحوثيين العسكرية، عدنان الجبرني، أن ضخامة الشحنة ونوعيتها العالية، تختلف مع الأسلوب والكميّات الأقل حجما وشمولية التي اعتاد الحرس الثوري على تهريبها للحوثيين.
وقال الجبرني في منشور على "فيسبوك"، إن ذلك يدل على حجم تعويل إيران على الحوثيين كمركز ثقل ضمن شبكة وكلائها في المنطقة، وسط تراجع فعالية حزب الله، وظهور ميليشيا الحوثي كأكثر الأذرع فاعلية واستمرارية رغم الهجمات الدولية، "وهذا ما منحهم مساحة متقدمة في حسابات طهران".
وأشار إلى أن الشحنة الكبيرة قد تكون انعكاسا لتصور مشترك لدى طهران والحوثيين بشأن التحديات المقبلة، خصوصا بعد حرب الـ12 يوما ومفاوضات الاتفاق النووي، وتحسّب إيران لاحتمال أن يُطلب منها وقف دعم الجماعة، ما يجعلها تعمل الآن وفق نهج حذر لتأمين احتياطي استراتيجي يمكّن الحوثيين من الاستمرار لفترة طويلة، وفق قوله.
وفيما يتعلق بنوعية الأسلحة المهرّبة، أكد الجبرني، أنها دليل على مستوى عال من الثقة الإيرانية في الحوثيين؛ إذ باتت تمنحهم نسخا من أحدث ما لديها من الأسلحة النوعية، "بل إن بعضها يُرسل إليهم قبل أن يتم الكشف عنه رسميا في طهران" بحسب تقديره.
وأضاف أن ذلك يُظهر شمولية التبني العسكري الإيراني للحوثيين، وتوسّع دعمها ليشمل مختلف التخصصات العسكرية النوعية، وصولا إلى معدات حفر الأنفاق في الجبال.