آخر تحديث :الإثنين-14 يوليو 2025-08:04م
اخبار وتقارير

تصعيد الحوثي خطوة نقدية أم رسالة سياسية لتحدي الشرعية وتقويض الاقتصاد اليمني؟

تصعيد الحوثي خطوة نقدية أم رسالة سياسية لتحدي الشرعية وتقويض الاقتصاد اليمني؟
الإثنين - 14 يوليو 2025 - 04:07 م بتوقيت عدن
- عدن - نافذة اليمن - خاص

في خطوة مفاجئة جديدة تثير الجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية، أعلنت مليشيا الحوثي الإرهابية عن سكّ عملة معدنية جديدة من فئة خمسين ريالًا يمنيًا، بعد نحو عامين من سكّ عملة حجرية بدائية من فئة المائة ريال. تأتي هذه الخطوة في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية بالغة التعقيد يعيشها اليمن، وتعكس إصرار الجماعة على فرض سياسة الأمر الواقع في مواجهة الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي.


خلفية الأزمة النقدية

منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية وسيطرتهم على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، دخل الاقتصاد اليمني في دوامة من الأزمات المتراكمة. واحدة من أبرز الأزمات تمثلت في أزمة السيولة النقدية الناتجة عن الانقسام المصرفي بين البنك المركزي في عدن، المعترف به دوليًا، والنسخة غير الشرعية التابعة للحوثيين في صنعاء.


وقد لجأت الحكومة الشرعية لطباعة أوراق نقدية جديدة لتغطية التزاماتها، إلا أن الحوثيين أصدروا قرارات صارمة تمنع تداول تلك الأوراق في مناطق سيطرتهم، ما تسبب في اختفاء شبه كامل للفئات النقدية الصغيرة مثل الخمسين والمائة ريال، بسبب تهالك الأوراق القديمة وتلفها.


سك العملة الجديدة: الضرورة المعلنة والحقيقة المستترة

وفق إعلان الحوثيين، يهدف سك العملة الجديدة إلى حل أزمة نقص الفئات الصغيرة التي تعيق تعاملات الناس اليومية. غير أن مراقبين يرون أن الخطوة لها أبعاد أبعد من كونها حلًا فنّيًا لأزمة السيولة.


الأمر اللافت هو اختيار مسجد العيدروس، أحد أشهر المعالم التاريخية في مدينة عدن، لوضعه في واجهة العملة الجديدة، وهو ما اعتُبر رسالة سياسية واضحة تؤكد أطماع الجماعة في المدينة الإستراتيجية الواقعة تحت إدارة الحكومة الشرعية.


خطوة استفزازية وتحدٍّ للشرعية والمجتمع الدولي

وفي هذا السياق، أوضح الصحفي والخبير الاقتصادي ماجد الداعري أن الخطوة الأخيرة تحمل عدة رسائل خطيرة. يقول الداعري:"إن اختبار الحوثيين لمسجد العيدروس كرمز على عملتهم الجديدة لا يُفهم إلا كتأكيد على رؤيتهم لعدن كمدينة يمنية خاضعة لطموحاتهم الميليشياوية، رغم أنها منكوبة ومتضررة بشدة من سياساتهم وممارساتهم التدميرية."


وأضاف: "نجاح الحوثيين سابقًا في فرض تداول العملة الحجرية الأولى (فئة المائة ريال) منحهم ثقة كافية للاستمرار في هذا المسار. الأمر يتجاوز معالجة أزمة السيولة إلى ترسيخ واقع جديد يُضعف البنك المركزي في عدن ويقوّض أي جهود لتوحيد السياسة النقدية أو إنقاذ الريال من الانهيار المستمر."


وأردف الداعري: "الأخطر من ذلك هو أن استمرار سك العملات المعدنية قد يكون مقدمة لخطوة أكبر: طباعة أوراق نقدية جديدة في الخارج عبر جهات متعاونة، وتهريبها بطرق سرية إلى الداخل. هذه العملات يمكن أن تُستخدم لغسل الأموال أو شراء العملات الأجنبية من السوق السوداء، ما يزيد من تعقيد الأزمة المالية ويهدد الاستقرار النقدي في البلاد."


تأثير محدود على السيولة.. وأضرار جسيمة على الاقتصاد

يرى خبراء أن العملة الجديدة قد تخفف جزئيًا أزمة الفكة داخل مناطق سيطرة الحوثيين لكنها لن تحل جوهر المشكلة، لأن جذورها تتعلق بغياب الثقة بالقطاع المصرفي، وانعدام الاحتياطيات الأجنبية، وتدهور مصادر الدخل الرئيسية مثل صادرات النفط التي تعرضت للشلل بفعل هجمات الحوثيين على الموانئ النفطية مثل مينائي الضبة والنشيمة في حضرموت وشبوة.


وقد أدّى منع تصدير النفط إلى حرمان الحكومة الشرعية من موردها الأهم لتمويل الميزانية العامة ودفع رواتب موظفي الدولة، ما زاد من معاناة المواطنين وأطاح بأي أمل في استقرار سعر الصرف أو إعادة الدورة النقدية إلى طبيعتها.


تداعيات محتملة ومخاطر مستقبلية

غسل الأموال: يمكن استخدام هذه العملات غير القانونية لغسل الأموال وشراء العملة الأجنبية وتهريبها لدعم نشاطات الجماعة العسكرية.

إضعاف الشرعية: استمرار سك العملة يعني إضعاف دور البنك المركزي في عدن، وتقويض سلطته على السياسة النقدية.

فقدان الثقة: المواطنون والمؤسسات المالية الدولية قد يفقدون الثقة أكثر فأكثر بالنظام المصرفي اليمني المنقسم أصلًا.

فتح الباب للتزوير: هذه الخطوة قد تكون تمهيدًا لطباعة أوراق نقدية مزوّرة بغطاء غير قانوني، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التضخم وانهيار القوة الشرائية.