تعيش العاصمة عدن، وللأسبوع الثاني على التوالي، أزمة خانقة في مادة الغاز المنزلي، ضربت حياة المواطنين بمختلف تفاصيلها، وتسببت بشلل شبه تام في حركة المواصلات، وألقت بظلال كارثية على الأسر العدنية.
وتحولت شوارع المدينة إلى مشاهد مأساوية، حيث اصطفت عشرات السيارات التي تعمل بالغاز، إلى جانب طوابير طويلة من أسطوانات الغاز أمام عدد محدود من محطات التعبئة التي لا تزال تفتح أبوابها، بينما أغلقت غالبية المحطات الأخرى بسبب نفاد المادة، في ظل غياب أي تدخل فعّال من الحكومة أو الجهات الرقابية المعنية.
وبينما تتبادل الجهات الرسمية والتجار الاتهامات حول من يقف خلف الأزمة، وصفت تقارير محلية الوضع بأنه أزمة مفتعلة بامتياز، تغذيها شبكة فساد وتلاعب وتهريب تمتد جذورها إلى أطراف في السلطة، بحسب تسريبات تداولها ناشطون وإعلاميون خلال الأيام الماضية.
مصادر مطلعة كشفت أن كميات كبيرة من حصة عدن من الغاز يتم سحبها ونقلها إلى خزانات غير مرخصة تقع خارج المحافظة، قبل أن تُعاد تعبئتها وبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، أو تهريبها إلى مناطق خاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي عبر وسطاء يحملون تصاريح رسمية صادرة من جهات نافذة، في واحدة من أكبر فضائح التلاعب بمادة تمثل عصب الحياة اليومية للمواطنين. وفقا لما ذكره تقرير صحيفة الثوري الناطقة باسم الحزب الاشتراكي اليمني.
في المقابل، نفت شركة الغاز اليمنية في مأرب – المزود الرئيسي – أي علاقة لها بالأزمة، مؤكدة أن عدن تتلقى حصتها بانتظام، بل وتمت زيادة كميات الإمداد خلال الشهرين الماضيين. غير أن هذه التصريحات تصطدم بواقع مأساوي على الأرض، يكشف عن خلل خطير في آلية التوزيع، وسط اتهامات لتجار وشركات خاصة باحتكار السوق بالتواطؤ مع مسؤولين متورطين.
ومع اشتعال الأزمة، قفز سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء إلى أكثر من 9,000 ريال يمني، وهو ما زاد من أعباء الأسر في عدن التي تعتمد بشكل شبه كامل على الغاز المنزلي للطهي، في ظل ارتفاع أسعار البنزين إلى مستويات قياسية.
وتحدث مراقبون عن حالة غضب شعبي تتصاعد بصمت، في ظل شعور المواطنين بأنهم وقعوا ضحية حلقة جهنمية من الفساد والإهمال والتآمر الرسمي، وسط غياب كامل لأي مساءلة، أو حتى توضيحات رسمية من الحكومة.
ويُحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار الأزمة دون تدخل حقيقي سيؤدي إلى كارثة إنسانية ومعيشية شاملة في عدن، داعين الحكومة إلى الكشف عن المتورطين، وفرض رقابة صارمة على توزيع المادة، ومنع تهريبها، قبل أن تنفجر الأوضاع في مدينة باتت على شفا الغليان.