بين أنقاض مدينة تُصارع للبقاء، يقف سكان تعز وجهاً لوجه مع واقع مرير، يزداد قتامة كل يوم، وسط صمت مطبق من السلطات المحلية والشرعية. مدينة تتنفس من رئة واحدة تحت حصار خانق، تتآكل فيها الخدمات، وترتفع فيها الأسعار، بينما المجاري تطفح في الشوارع، وتحاصر الأوبئة البيوت، وتتكوم القمامة في الأزقة دون رقيب أو مجيب.
رواتب مقطوعة، وجيش مهمل
أكثر من شهر ونصف مرّ على موظفي الدوائر الحكومية بدون مرتبات. أما الجيش الوطني، المرابط في المتارس دفاعًا عن المدينة، فلم تصرف له مستحقاته منذ أشهر، تاركًا أفراده بين فكي الجوع والخذلان، وأسرهم تواجه الموت البطيء دون أي دعم إغاثي أو إنساني.
مجاعة تطرق الأبواب
الأسر الأشد فقرًا، والمتقاعدون، يصرخون من انقطاع الإغاثة. المدينة تقترب من حافة المجاعة، فيما يبدو أن لا أحد يسمع، لا في الحكومة، ولا في التحالف، ولا في المحافظة.
جراح متعفنة، وأبطال منسيون
جرحى تعز – الذين تجاوز عددهم 17 ألف جريح، منهم 600 معاق بشكل دائم – تُركوا لمصيرهم. بعضهم تعفنت جراحه، وآخرون يموتون ببطء، دون علاج أو إعالة لأسرهم المعدمة. في المقابل، أسر الشهداء – الذين تجاوز عددهم 3 آلاف – يعيشون أوضاعًا مأساوية، بعدما فقدوا المعيل الوحيد، وسط انعدام شبه كلي للإغاثة الحكومية أو الدولية.
السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا يريد محافظ تعز من أبناء مدينته؟
هل يريد من السكان أن يتركوا المدينة وينزحوا عنها؟ هل يُطلب من الجنود المرابطين ترك الجبهات والبحث عن لقمة عيش، ولو كلف ذلك سقوط المدينة بيد المليشيات الانقلابية؟ وإن فكر البعض في النزوح، فهل سيسمح لهم بالعبور إلى عدن أو المخا؟ أم سيتم منعهم عند أول نقطة تفتيش بذريعة "الإجراءات الأمنية" و"الحجج الواهية"؟
أسئلة قاسية تُطرح اليوم بمرارة، في ظل سلطة محلية غائبة، وحكومة شرعية عاجزة، وتحالف لم يعد يسمع أنين تعز.
فإلى متى سيبقى أبناء تعز وحدهم في الميدان، في مواجهة الحصار والجوع والإهمال... والخذلان؟