عبداللاه سُميح
قال خبراء إن سياسية "تجفيف المنابع" التي انتهجتها الحكومة اليمنية أخيرا، ساهمت في تغير بخطاب زعيم ميليشيا الحوثي، الذي بات أكثر مطالبة للعودة إلى مسار التسوية.
ولجأت الحكومة اليمنية، منذ أواخر الشهر الماضي، إلى تشديد الخناق الاقتصادي على ميليشيا الحوثي، عبر حزمة من الإجراءات الهادفة إلى السيطرة على القطاع المصرفي المنقسم وتشوهاته النقدية، وشلّ مصادر التمويل المالي للحوثيين.
وعلى الرغم من الفترة الزمنية الطويلة، التي استغرقها صدور هذه الإجراءات، إلا أن الشارع اليمني استقبلها بترحيب واسع، أملًا في تنفيذها الفعلي، وملامسة نتائجها وانعكاساتها الإيجابية على تصحيح الوضع النقدي والاقتصادي، وممارسة ضغوطها على ميليشيا الحوثي، لحلحلة الأوضاع المتردّية.
وأوقف البنك المركزي اليمني، المعترف به دوليًا، تعامله مع عدد من البنوك التي لم تستجب لتوجيهاته بنقل مقراتها الرئيسة من صنعاء الخاضعة للحوثيين، إلى عدن، كما اتخذ إجراءات أخرى تمهّد لسحب العملة القديمة، إضافة إلى حظر الحوالات المالية الخارجية إلا على البنوك وشركات الصرافة التي اعتمدها، وهو ما استجابت له عدد من شركات تحويل الأموال الدولية.
في موازاة ذلك، وجهت وزارة النقل لدى الحكومة "الشرعية"، شركة الخطوط الجوية اليمنية، بتحويل إيراداتها المالية إلى حساباتها البنكية في عدن أو في الخارج، وانتقال مركزها الرئيس من صنعاء، إلى عدن الخاضعة لسيطرة الحكومة.
بدورها، وجهت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، شركات الاتصالات العاملة في اليمن، بالعمل على نقل مقراتها إداريًا وفنيًا وماليًا إلى عدن، لاستكمال إجراءات تصحيح أوضاعها وللحصول على التراخيص اللازمة.
تجفيف المنابع
يقول المحلل الاقتصادي، وفيق صالح لـ"إرم نيوز"، إن بقاء موارد حكومية تحت سيطرة الحوثيين، يجعلها عرضة للنهب؛ "لذا فإن التوجيهات الحكومية تحاول تجفيف موارد الحوثيين من جهة، ومن جهة أخرى تحاول إعادة لملمة الموارد المشتتة، خصوصًا وأنها (أي الحكومة) تواجه عجزًا في مواردها المحلية".
وأشار إلى أن توجيهات وزارة النقل للخطوط الجوية اليمنية، "تأتي ضمن محاولات إنقاذ ما تبقى من موارد حكومية تحت قبضة الحوثيين؛ إذ إن هناك أكثر من 100 مليون دولار من إيرادات الشركة اليمنية لا تزال تحت سيطرتهم، ويرفضون الإفراج عنها، رغم مطالبات الشركة المتكررة".
وأكد صالح، أن موارد قطاع الاتصالات، من أهم الموارد الاقتصادية التي ظلّت تغذي ميليشيا الحوثي على مدى السنوات الماضية، وتمثّل ركيزة أساسية لاقتصادها، ومنفذًا ماليًا مهمًا يساعد الميليشيا في تمويل حروبها ضد اليمنيين.
ولفت إلى أن نجاح الحكومة في تحرير قطاع الاتصالات والإنترنت، "سيفقد الحوثي أهم سلاح استراتيجي يستخدمه ضد اليمنيين".
ويشكل قطاع الاتصالات والإنترنت في اليمن، الخاضع معظمه لسلطة الحوثيين منذ العام 2015، الحصة الكبرى من الإيرادات العامة للدولة، في حين تشير لجنة خبراء الأمم المتحدة في العام 2022، إلى أن الحوثيين يستخدمون هذا القطاع في مراقبة اليمنيين إلى جانب سيطرتهم على إيراداته المالية.
تصحيح الوضع
ويرى الصحفي خالد سلمان، أن نتائج الإجراءات المالية الرامية إلى تصحيح الوضع، بدأت بالظهور على الأرض، من خلال "خطاب الحوثي الذي أصبح أقل تصلبًا وأكثر مناشدة، خطاب ناعم رفع سقف دعوته لتفعيل مسار التسوية".
ولفت إلى أن الخيارين المتوفرين حاليًا لدى الحوثيين "إما أن يقدموا مزيدا من التنازلات للالتحاق بركب المفاوضات من موقع الأضعف، وإما أن يهربوا نحو الحرب. وهنا يبرز أمام الشرعية تحصين وحماية قراراتها، بجيش على قدر كامل من الجاهزية والاستعداد للمواجهة، وتوحيد الأداء العسكري جنوباً وشمالاً شرقاً وغرباً وعلى طول امتداد الخارطة".
وأضاف سلمان، أن "الآمال مفتوحة على الاستمرارية في إنفاذ الإجراءات حسب تصريح البنك المركزي في عدن، ومفتوحة بالقدر ذاته في حال التراجع، على مخاوف من ارتدادات عكسية سلبية قاسية، تعيد العلاقة بين الشارع اليمني والشرعية، إلى وضع يتسم بالبرود ويهئ الالتفاف من حولها، ويضرب ما تحقق من خطوات في الصميم".
قرارات متأخرة
ويعتقد الخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، أن جميع الإجراءات المتخذة من جهة الحكومة، تأتي في ظل ضوء أخضر من المجتمع الدولي والإقليمي؛ بهدف شلّ قدرة الحوثيين الاقتصادية، باعتبار الاقتصاد "أحد عوامل استقواء هذه المليشيات المصنفة إرهابية، وهو المعركة الحقيقية لهزيمتها قبل الهزيمة العسكرية".
ويرى أن هذه القرارات متأخرة جدًا، "وكان يفترض أن يتم نقل البنوك والمؤسسات السيادية فور صدور قرار نقل المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، في العام 2016، واستغلال حالة الإرباك لدى الحوثيين، أما اليوم فقد نسّقت ميليشيا الحوثي مع مختلف الشركات المزودة للخدمات، وأصبحت تتحكم بخطوط الإنترنت الرئيسية في البحر، وتستلم حتى حقوق تأجير أجواء البلاد للطائرات المارّة، التي تزيد على 40 مليون دولار سنويًا، ومستحقات الخدمة الدولية في اليمن، وغيرها من الترتيبات".
وقال الداعري في حديثه لـ"إرم نيوز"، عن قرار وزارة الاتصالات لدى الحكومة اليمنية، "من غير الممكن إطلاقًا أن تنقل الحكومة شركة اتصالات يقع قرابة 80% من جمهورها في مناطق سيطرة الحوثيين، شمالي البلاد".
وأشار إلى أن البنية التحتية للحكومة الشرعية "لا تشجع على نقل شركات الاتصالات أو التحكم بها، إضافة إلى المشكلات الأخرى المتعلقة بالأوضاع الأمنية والظروف الاقتصادية والخدمية في المناطق المحررة".