اضطرت "أم عبودي" من أهالي التواهي في العاصمة عدن، إلى الجلوس في منزلها وعدم الخروج إلى السوق لشراء احتياجات العيد، عقب إصابتها بإسهال مائي حاد. حالة; من أصل مئات الحالات التي جرى تسجيلها خلال الأسايع الماضية في عدن وعدد من المحافظات اليمنية لإسهالات مائية حادة مشابهة لإصابات وباء "الكوليرا".
بحسب إحصائيات صحية غير رسمية، سجلت مستشفيات عدن نحو 300 حالة إصابة منذ مطلع مارس الماضي؛ والكثير من الحالات وصلت إلى طوارئ مستشفيات حكومية وخاصة ومراكز صحية في مديريات العاصمة. وأخذت تلك الحالات العلاجات اللازمة من محاليل وعلاجات تساعد على إيقاف الإسهالات الحادة.
أسباب كثيرة تقف وراء عودة تفشي الكوليرا في اليمن بينها انتشار الأكلات غير الصحية التي تباع في الشوارع خصوصاً في شهر رمضان مع تزايد الحشرات التي تنقل المرض، إلى جانب طفح المجاري والصرف الصحي بشكل كبير، واستخدام المياه غير النظيفة التي تعد سببا رئيسا في انتشار الاسهالات المائية.
في محافظة تعز، كشفت مصادر صحية أن إدارة الترصد الوبائي سجلت نحو 150 حالة اشتباه بالكوليرا بينها نحو 50 حالة مؤكدة بالفحص الزراعي، موضحة أن السلطات الصحية سجلت وفاة حالة مؤكدة بالمرض منذ مطلع العام الحالي.
تصاعد مخيف;
أفادت تقارير أممية جديدة بتسجيل مئات الإصابات بوباء "الكوليرا" في مناطق يمنية عدة، وسط تدهور المنظومة الصحية جراء الصراع الذي تقوده الميليشيات الحوثية منذ العام 2015. وكشفت منظمة الصحة العالمية، في تقرير حديث صادر عنها، عن تسجيل 508 حالات اشتباه بالكوليرا في اليمن، مع حالتي وفاة خلال الشهرين الأولين من عام 2024.
وذكرت التقارير الأممية أن إجمالي الحالات التراكمية المسجلة للإصابة بالكوليرا في اليمن بلغ 4312 حالة، مع 16 حالة وفاة مرتبطة بالمرض خلال الفترة بين 1 يناير (كانون الثاني) 2023، وحتى نهاية فبراير (شباط) 2024.
وأكدت التقارير الأممية وجود بلاغات جديدة منذ مطلع هذا العام من مدن وقرى عدة معظمها تحت سيطرة الحوثيين، تفيد بظهور إصابات جديدة وحالات وفاة؛ نتيجة الإصابة بأمراض، من بينها: الكوليرا، والملاريا، وسوء التغذية، وحمى الضنك... وغيرها.
تصاعد الحالات المصابة خلال الأشهر الثلاثة الماضية من العام 2024، أثار مخاوف المواطنين من عودة الجائحة التي ضربت اليمن لسنوات في العام 2016 والتي بلغت ذروتها في العام 2017. وحتى تاريخ نوفمبر 2021 بلغت الإصابات أكثر من 2.5 مليون حالة، وأكثر من 4000 وفاة، الأمر الذي اعتبرته حينها الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
المفوضية الأوروبية، في بلاغات صادرة عنها، كشفت أن موجة تفشي الكوليرا عادت بقوة في ثماني محافظات يمنية. وسجلت حالات إصابة بمرض الكوليرا خلال الأشهر الماضية، 917 حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا، إضافة إلى تسجيل 8 حالات وفاة بالمرض ذاته.
تحرك صحي;
تصاعد حالات الإسهالات المائية، دفع السلطات الصحية في العاصمة عدن، إلى التحرك من أجل مناقشة الوضع الصحي ووضع إجراءات احترازية وخطوات عاجلة من أجل مجابهة أي جائحة جديدة لوباء "الكوليرا".;
مساء الأحد، ناقش اجتماع صحي برئاسة وكيل وزارة الصحة العامة والسكان لقطاع الرعاية الصحية الأولية الدكتور علي الوليدي، التدابير اللازمة لاحتواء انتشار الإسهالات المائية الحادة في محافظات عدن وتعز ولحج. واستعرض الاجتماع، الآليات المتبعة في العمل، وسبل تعزيز جوانب تدارك انتشار أي فاشية محتملة، وجهود المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني خلال الفترات السابقة وتحضيراته للفترة المقبلة.
وخلال الاجتماع تطرق الدكتور الوليدي، إلى الوضع الوبائي الراهن والسبل المثلى لوضع الحلول والتدابير الوقائية العاجلة، ومناقشة أوضاع المراكز العلاجية وتفعيلها.
وسبق الاجتماع لقاء عقد في مستشفى الصداقة التعليمي برئاسة مدير مكتب الصحة بالعاصمة عدن الدكتور أحمد مثنى، مع ممثلي منظمة أطباء بلا حدود. تركز على مناقشة التدابير والإجراءات اللازمة لمنع حدوث تفشي وباء الكوليرا في عدن، وكذا الوضع الوبائي بالمحافظة لحالات الإسهالات المائية الحادة ومدى خطورة الموقف.
وأكد مدير الصحة على أهمية تلبية احتياجات ومتطلبات مستشفى الصداقة الذي يعد مرفقا صحيا محوريا لعلاج إصابات الكوليرا مع كل تداعيات الجائحة. وقال، إن الجهود الصحية تتركز على إيجاد آلية التنسيق وتنظيم العمل بين القطاعات الصحية والمنظمات الدولية، لمنع حدوث تفشي وباء الكوليرا، من بينها رفد مركز العزل في مستشفى الصداقة بمستلزمات علاج الكوليرا من أدوية ومحاليل وريدية، واحتياجات الطاقم العامل في المركز بالإضافة إلى تدريبهم وتأهيلهم لمنع التفشي، مشيراً إلى ترتيبات لاستقبال الزيادة في عدد الحالات بفتح المزيد من الأقسام لاستيعاب كل المرضى.
تجاهل حوثي;
مجدداً، تشهد المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، عودة تفشي وباء الكوليرا، وسط اتهامات يطلقها الأطباء في مستشفيات حكومية وخاصة بوقوف الميليشيات وراء انهيار المنظومة الصحية وتدهور الخدمات المنقذة للحياة.
وأكد أطباء في صنعاء وإب أن هناك انتشارًا ملحوظًا لمرض الكوليرا خلال الفترة الأخيرة. وسط تكتم وتجاهل متعمد من قبل السلطات الصحية الخاضعة لسيطرة الحوثيين الذي ساهم بشكل كبير في عودة التفشي وظهور جائحة جديدة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وأعاد الأطباء عودة التفشي إلى تلوث المياه وعدم وجود مصادر أمنة للاستخدام، إلى جانب إهمال شبكات الصرف الصحي، ونهب المواد الطبية الإغاثية المخصصة لمكافحة الوباء، وعرقلة عمل المنظمات الإنسانية العاملة من خلال التضييق على نشاطها.
وأشار الأطباء إلى فساد حوثي كبير في الجانب الإداري والمالي بالقطاع الصحي الخاضع لسيطرتهم، وعمليات نهب منظمة للمخصصات التشغيلية والأدوية، ناهيك عن تضييق الخناق على المنظمات الصحية الدولية والأممية العاملة في مجال تقديم الخدمات العلاجية المجانية للمرضى، وصولاً لعرقلة المشاريع الصحية وحملات اللقاحات الوقائية. كما أدى نهب مرتبات موظفي الصحة، منذ سبع سنوات، إلى تدهور الرعاية الصحية وانهيار أداء المراكز الصحية فضلاً عن تدهور الوضع المعيشي للعاملين في القطاع الصحي. كما عملت ميليشيا الحوثي على تعطيل محطة معالجة مياه الصرف الصحي شمال صنعاء والتي تعد البؤرة الرئيسة لتفشي وباء الكوليرا.
القيادات الحوثية عبر وزارتي الصحة والمياه عقدت اجتماعاً مشتركاً خلال الأيام الماضي، لمناقشة الوضع الوبائي وعودة تفشي الكوليرا بشكل مخيف في صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرتهم. الحوثيون اكتفوا فقط بتفعيل غرفة عمليات طوارئ مشتركة دون اتخاذ إجراءات عاجلة وعملية لمواجهة الوباء.