العين الإخبارية
كشفت حالة المعتقل اليمني نشوان الحداد بحسب مراقبين وحقوقيين ضيق أفق العقل الإخواني.
ففي ظل صراع مرير تعشه البلاد للخلاص من أجندة مليشيات الحوثي الانقلابية، لا تجد جماعة الإخوان غضاضة من تطبيق تفسيرها الضيق لحرية التعبير في مناطق سيطرتها، من دون أن تستشعر فداحة مهمة تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي.
وحولت الجماعة مناطق سيطرتها على سجون تزج فيه نشطاء احتفظوا بحق الاختلاف مع أجندة حزب الإصلاح الذراع السياسية للإخوان، فأذاقتهم الجماعة مرارة تعريفها لحرية الرأي.
أحدث الضحايا الناشط اليمني نشوان الحداد، المعتقل منذ أكثر من شهرين في سجون القوات الأمنية الموالية لحزب الإصلاح الإخواني بمحافظة مأرب (شرق)، وسط مطالبات حقوقية واسعة من أجل إطلاق سراحه.
ونشوان هو أحد ناشطي محافظة مأرب، وكان يعمل مصورا وعرف بمناصرة عدد من القضايا الحقوقية والإنسانية قبل أن تعتقله قوات أمنية موالية للإخوان بتهمة الإساءة للدين وذلك على خليفة تدوينه منشور على حسابه في "فيسبوك" يستفسر عن أحد أنواع المشروبات الروحية.
واليومين الماضين كتب نشوان رسالة مؤثرة من داخل معتقله تداولها ناشطون على نطاق واسع، أكد فيها أنه يعيش ويلات الزنازين الانفرادية وأن سلطات الإخوان المتشددة منعته من الاتصال بعائلته.
ويطالب نشوان بإحالة ملف قضيته للنيابة من أجل محاكمته محاكمة عادلة.
تهمة ملفقة
وكانت السلطات في مأرب اعتقلت نشوان الحداد بتاريخ 8 يوليو/تموز الماضي، وأطلقت سراحه بعد أيام من اختطافه تحت الضغط الحقوقي، قبل أن تعود قوات الأمن الخاص الموالية للإخوان باعتقاله بعد أقل من يوم من الإفراج عنه، وتلقي به في زنزانة انفرادية، فيما لا تعلم أسرته مكان تواجده، في عملية اعتقال قسري أثارت تنديدا حقوقيا واسعا.
وقامت الأجهزة الأمنية الموالية للإخوان بمأرب بتوجيه تهمة للناشط نشوان على خلفية منشوراته بموقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، وهي تهمة الترويج للمشروبات الروحية والإساءة للدين بحسب ما تدعي وذلك وفق مصادر مقربة من أسرة نشوان تحدثت لـ"العين الإخبارية".
المصادر أضافت أن أسرة نشوان لا تعلم عنه شيئا ولم تستجب سلطات مأرب الموالية للإخوان لمطالبها بالإفراج عن ابنها نشوان، أو الكشف عن مكان تواجده.
وحمّلت الأسرة القوات الأمنية الموالية للإخوان في مأرب، مسؤولية سلامة نشوان النفسية والجسدية وما يترتب عن اختطافه نجلها من آثار قد تطاله، وأنها تتحفظ بحقها القانوني.
تكميم أفواه
ولاقت حادثة نشوان الحداد حملات مناصرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي واتهم ناشطون سلطات مأرب الموالية للإخوان بأنها تمارس الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وتطبق سياسية "تكميم الأفواه".
وبحسب النشطاء فإن الحداد معتقل خارج القانون، وأنه لم يتم تحويله إلى النيابة والقضاء، أو السماح له بتوكيل محام، متهمين السلطات الموالية للإخوان بانتهاك حرية التعبير.
وقال الناشط الإعلامي اليمني طاهر بشير لـ"العين الإخبارية"، إن السلطة الموالية للإخوان بمأرب استخدمت القمع ضد الصحفيين والناشطين بشكل ملحوظ بالفترة الأخيرة وذاك على خطى المليشيات الحوثية التي تمارس عملية قمع ممنهجة للحريات.
ودعا بشير سلطات مأرب إلى التعقل معتبرا أن اعتقال ناشط على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي هو "فعل مخز".
وحث الناشط الإعلامي السلطات في مأرب على إتاحة مساحة للرأي كفلها الدستور اليمني، والتفرغ لمواجهة مليشيات الحوثي وعدم الانشغال في القضايا التي تؤجج الرأي العام.
وكانت منظمة ميون لحقوق الإنسان في اليمن نددت باعتقال الناشط اليمني نشوان الحداد، بالإضافة إلى اعتقال الكاتب حافظ محسن مطير، بسبب آراء يعبر عنها على منصات التواصل الاجتماعي.
وأوضحت المنظمة في بيان وصل "العين الإخبارية" نسخة منه، أن الكاتب مطير اعتقل في 11 يوليو/تموز الماضي بمدينة المهرة وتم نقله إلى أحد السجون بمدينة مأرب.
واعتبرت اعتقال الناشطين إصرارا من السلطات في مأرب على انتهاك حرية التعبير والرأي والإيغال فيما وصفته بـ"تكميم الأفواه".
التعذيب يجرمه القانون
وقال الخبير القانوني مختار مهيوب إنه، بغض النظر عما ورد بمنشور نشوان الحداد، فإن كان هناك ما يبرر الاعتقال أو الاستدعاء لابد أن تصان كافة حقوق الناشط في عدم استمرار القبض عليه أكثر من 24 ساعة، وإحالته إلى النيابة لتتولى أمر الإفراج عنه وكذلك تمكينه من كافة حقوقه.
وأضاف خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، أنه وإن كان المنشور هو تعبير عن رأي يمكن نقده أو الاختلاف معه، إلا أن الاعتقال هو انتهاك لحق الرأي والتعبير ويحاسب من أقدم عليه.
وأكد مختار أن حرية الرأي والتعبير مكفولة في الدستور اليمني وقانون حقوق الإنسان العالمي، وأن انتهاكها يعد جريمة، وفق ما كفلته المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأشار إلى أن هذا الحق يهدد عددا من الحكومات والأفراد الذين يحتلّون مواقع القوة بمختلف بلدان العالم.
ونوه إلى أن اعتقال الأفراد بسبب استخدامهم لحقوقهم المشروعة كما فعلت سلطات مأرب مع الناشط نشوان الحداد، له أضرار كثيرة على المعتقل وأسرته سواء أضرار مادية أو نفسية، لا سيما وأن الاعتقال بالمخالفة للقانون يعد صنفا من صنوف التعذيب المجرمة.
ويعتبر الإخفاء القسري انتهاكًا صارخًا للقانون اليمني والقانون الدولي الإنساني، وتحظره وتدينه العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية باعتباره جريمة غير قانونية تتضمن احتجاز شخص ما دون موافقته أو دون إشعار أهله أو المسؤولين المعنيين بمكان وجوده.