آخر تحديث :السبت-27 يوليه 2024-10:02ص

فن وثقافة


بعد عدة سنوات.. مسلسل سوري يستعيد زمن الشهامة المفقودة

بعد عدة سنوات.. مسلسل سوري يستعيد زمن الشهامة المفقودة

الثلاثاء - 06 أكتوبر 2020 - 01:15 م بتوقيت عدن

- نافذة اليمن - العرب

مسلسل “بعد عدة سنوات” عمل درامي سوري تعمل على إنتاجه حاليا المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني السوري ليكون جاهزا للموسم الرمضاني القادم، عن نص كتبه بسام جنيد ويخرجه عبدالغني بلاط بمشاركة نخبة من أهم فناني سوريا في الدراما.

ويقدّم العمل أجواء اجتماعية، متعاملا مع اللحظة الراهنة بالكثير من الدقة والألم ومشحونا بحنين إلى زمن كان، وهو من بطولة ديمة قندلفت وسعد مينة ومحمد حداقي وميلاد يوسف وروبين عيسى وسوار الحسن وكرم شعراني ونانسي خوري وريم زينو وهبة زهرة وسلوى جميل وأسامة السيد يوسف وعلا باشا ووسيم الرحبي.                               

ترتكز المعالجة الدرامية في مسلسل “بعد عدة سنوات” على المقارنة بين زمن كان والزمن الحالي، حيث تغيّرت العديد من المفاهيم والقيم نحو الأسوأ. فيحكي بصيغة الراوي عن شخصية محورية هي “أبونورس” الذي لديه العديد من الأبناء ويملك في منطقة شبه شعبية منشرة وطابقين للسكن.

ومع الأحداث الدامية في سوريا يقوم بتأجير أحدهما ويسكن مع أولاده في الثاني، فيأتي آخرون ليسكنوا المنزل، لتبدأ حكايات وتفاصيل كثيرة يتوغّل فيها العمل كاشفا العديد من التجليات الأخلاقية التي يُريد أن يقدّمها.

وتبدأ أحداث المسلسل التي تدور حكايته في زمنين مختلفين (ثمانينات القرن الماضي، وعام 2014) مع الصحافية رنا التي كانت تسير في طريق عودتها باتجاه منزلها قبل أن تندلع الاشتباكات، فتطرق أحد أبواب البيوت هربا من القصف، والبيت لعائلة مكونة من أبوين وخمسة أبناء هم: نورس، معروف، جمال، أميرة، مازن، وتدخل إلى غرفة معروف الذي يسرد لها قصة عائلته ويعود معها بالزمن إلى الوراء.

والمسلسل بصيغته الاجتماعية والإنسانية التي يحملها هو توجه من مخرجه عبدالغني بلاط لتكريس أعمال الخير والحارة الاجتماعية بعيدا عن محور أعمال العصابات والشر الذي ظهرت به العديد من الأعمال السورية في الفترة الأخيرة.

وعبدالغني بلاط السينمائي الأكاديمي،  صاحب العمل  التلفزيوني الشهير “دنيا”، لا يتعب من تقديم هواجسه الفنية التي يقدم من خلالها وجهة نظره ورأيه في ما يجري حوله من أمور ومجريات. فبعد مرور عقود على دراسته فن السينما في الاتحاد السوفييتي، ومن ثم عمله في الدراما التلفزيونية، نراه مجدّدا في تنفيذ مسلسله الأحدث الذي واجه الكثير من العوائق والمتاعب حتى وصل إلى مرحلة تنفيذه.

عن معالجة هذا الموضوع  الاجتماعي الحساس بلغة فنية وحضور الحالة السينمائية فيها بلغة معاصرة، يقول مخرجه “الهواجس السينمائية الحقيقية لديّ ماتت منذ زمن بعيد، منظوري إلى السينما يكمن في خلق فضاء إبداعي مكثف ومختلف، فيه يتم خلق أبجدية جديدة. والسينما تعتمد على الموضوع، وليس الحكاية، لذلك لا تكون فيها الحكاية صاحبة حضور قوي وطاغٍ على المشهدية السينمائية، بل هي ما يمكن وصفه برابط يمسك بجسم ما يقدّمه الفيلم، السينما أبعد من حكاية عادية مكرّرة”.

ويسترسل المخرج السوري المخضرم “عندما عدت من دراستي للسينما في الاتحاد السوفييتي كنت مليئا بالأفكار السينمائية التي لم أستطع تقديمها كما أرغب، ربما هو نوع من الجبن الذي اجتاحني، وربما كان السبب أن الفرصة لم تسنح لي بالعمل في السينما، فتوجهت إلى العمل في التلفزيون وقول أشياء أحبها، ولكي أعيش أيضا”.

وهو يعترف بأنه حينما قرأ سيناريو مسلسل “بعد عدة سنوات” أحبه، وعن ذلك يقول “من الصعب إيجاد مثله في مثل هذه الأيام، لأن فيه شخوصا حقيقيين ومليء بما هو إنساني وعميق. فالكاتب لديه هم إنساني كما أزعم. وبعد قراءتي له أكثر من خمس مرات كنت أبكي عند وصولي إلى مشاهد محددة. ولكنني وجدت فيه مشاهد طويلة فيها حوارات متشعبة، فكان لا بد من حل جمالي”.

ومن هناك سعى المخرج إلى التغلب على هذه المشكلة ليس من خلال عملية التقطيع التلفزيوني البسيط، وهي الطريقة الاعتيادية والسهلة، بل لجأ إلى استعمال تكنيك سينمائي عمل فيه على خلق حالة مونتاج و”ميزانسين” داخل اللقطة. ومن ثمّة يحقّق هدفين، أولهما التغلب على المشاهد الطويلة وجعل العمل رشيقا أكثر، وثانيا تنفيذ المونتاج داخل اللقطة من خلال رسم حركة الممثلين وأسلوب أدائهم بطريقة تحقّق توازن الكادر البصري وجمالية اللقطة، وهي طريقة جديدة في الدراما التلفزيونية يودّ عبدالغني بلاط إرساءها.

يقدّم مسلسل “بعد عدة سنوات” العديد من الأزمنة، وتمتد حكاياته على ما يقارب الثلاثين عاما، وهذا ما يخلق تحديات فنية متعدّدة أمام فريق العمل تتعلق بتفاصيل الديكور والإكسسوار وغير ذلك.

وعن ذلك يقول عبدالغني بلاط “لا يشعرني ذلك بأي قلق، هذه المسألة فعلا حساسة وتحتاج إلى جهد كبير في ملاحقتها، ولكن فريق العمل أمّن وما زال يؤمّن ذلك بحرفية عالية. العمل كانت فيه خمس فترات زمنية، ولكن ضيق الوقت فرض علينا أن نختصرها إلى ثلاث، ونحن نعمل على ذلك بهدوء ونأمل أن نحقّق المطلوب. وتعدد الأزمنة يعطي المزيد من الثراء في أحداث العمل وأجوائه عامة، وهو ما يصب في صالحه في النهاية”.

ويراهن بلاط على مسلسله الجديد ويرى أن فريق العمل قدّم جهدا كبيرا في تنفيذه بالصيغة التي تجعله منافسا قويا وعملا إنسانيا يقطع مع السائد من الأعمال الدرامية، ويقول “نعيش في هذا العصر زمنا نعاني منه في صميم علاقاتنا الأخلاقية التي بلغت حدا غير مسبوق في التردّي. ولكن هذا لا ينفي وجود بعض الشخصيات التي لا تزال تحمل قيما إيجابية. علما أنني لست مع نظرية الواقعية الاشتراكية في الأدب التي كانت توجد بالضرورة البطل الإيجابي المنتصر. لكن الرغبة في تقديم شخوص إيجابيين في زمن عزّ فيه وجودهم كانت هاجسي وسبب اندفاعي لتقديم هذا العمل. إنه التوجّه نحو الشهامة والحنين إلى الأخلاق”.

ويضيف “رغم أننا عملنا في ظروف صعبة للغاية، حيث عطّل تصويرَنا الحجرُ الصحي الذي فرضه تفشي وباء كورونا ثم كانت العوائق التقليدية مثل انقطاعات الكهرباء وتأمين بدائل عنها والكثير من المتاعب الأخرى، لكننا حريصون على إتمامه إلى آخره. وأنا وكل أفراد فريق العمل مراهنون عليه ونأمل ألاّ نخيّب أمل المتلقي في متابعة عمل يمثله ويقدّم طيفا من شواغل الحياة التي يعيشها حاليا في بلده”.