في واحدة من أكثر الخطوات وحشية منذ أشهر، أصدرت مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني أوامر بإعدام 17 مواطناً يمنياً، إلى جانب أحكام حبس جائرة بحق آخرين، في محاكمات صورية لا تمتّ للقانون أو العدالة بصلة، وتعتمد على تهم ملفقة واعترافات مفبركة انتُزعت تحت التعذيب الجسدي والنفسي. هذه الممارسات ليست سوى انعكاس واضح لحجم الانهيار الأخلاقي والقانوني الذي وصلت إليه المليشيا، التي حوّلت القضاء إلى سلاح قمعي لتصفية الخصوم وترهيب المجتمع.
المشهد اليوم لا يختلف كثيراً عن كل ما سبق من تجاوزات حوثية فجة؛ فالمليشيا التي فقدت السيطرة على أمنها الداخلي وتعيش حالة تصدّع غير مسبوقة، تسعى للهروب من واقعها عبر اختلاق قضايا "تخابر" وهمية، وإلباس أبرياء تهم جاهزة، بهدف إظهار بطولات إعلامية زائفة تخفي وراءها انهياراً متسارعاً في بنيتها العسكرية والأمنية. الاعترافات التلفزيونية التي بثّتها الجماعة، وتسريع جلسات المحاكمة، لا تحمل سوى رسالة واحدة: الأحكام جاهزة مسبقاً، وما يجري ليس سوى مسرحية رديئة الإخراج.
هذه الممارسات تعيد إلى الأذهان الجريمة البشعة التي ارتكبتها المليشيا الحوثية في 18 سبتمبر 2021 بحق تسعة من أبناء تهامة، حين أعدمتهم رمياً بالرصاص في ميدان التحرير بعد محاكمة هزلية مماثلة. يومها هزّت الجريمة ضمير اليمنيين والعالم، واعتُبرت واحدة من أسوأ الجرائم التي تنتهك كل مبادئ العدالة والحقوق الإنسانية. لكنها لم تكن الأخيرة، ولن تكون كذلك طالما بقي القضاء في مناطق الحوثيين رهينة بيد ميليشيا ترى في كل معارض مشروع "عدو" يجب تصفيته.
ولم تتوقف خطورة التصعيد الحوثي عند حدود استهداف المدنيين، بل امتد ليطال موظفين في المنظمات الأممية والإنسانية، الذين باتت الجماعة تتهمهم زوراً بـ"التجسس" بهدف الضغط والابتزاز والسيطرة على الأنشطة الإغاثية. هذه الحملة الخطيرة تهدد ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، وتخلق بيئة طاردة لكل المنظمات الدولية التي تجد نفسها محاصرة بين تهم ملفقة ومخاطر ميدانية متزايدة.
إن استخدام القضاء بهذه الصورة القمعية يفتح الباب أمام موجة إعدامات جديدة قد تلجأ إليها المليشيا كلما احتاجت لتصفية مجموعة من الأبرياء أو للتغطية على فشل عسكري أو أمني. الأخطر من ذلك أن موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختطفين لدى الحوثيين قد يكونون في دائرة الاستهداف المباشر في حال مضت الجماعة في هذا النهج الدموي.
ولا يمكن النظر إلى قرارات الإعدام الأخيرة بمعزل عن حالة الاحتقان الشعبي المتزايد في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تتصاعد شكاوى المواطنين من الفقر، والبطالة، ونهب المرتبات، وفشل الخدمات. وتدرك الجماعة أن هذا الغضب يشكل تهديداً حقيقياً لوجودها، لذا تلجأ إلى سياسة التخويف والإعدامات والتشهير التلفزيوني لإسكات الناس ومنع أي محاولة للرفض أو المقاومة.
اليوم، يصبح واجباً على المبعوث الأممي إلى اليمن، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمنظمات الحقوقية الدولية، اتخاذ موقف واضح وصارم تجاه هذه المحاكمات الصورية، ووقف تنفيذ أوامر القتل فوراً، والضغط للإفراج عن المختطفين والمعتقلين تعسفياً. الصمت الدولي يمنح الحوثيين مزيداً من الجرأة، ويشجعهم على تحويل القضاء إلى منصة إعدام بدلاً من أن يكون مرجعاً للعدالة.
لقد أثبتت التجارب المتكررة أن مليشيا الحوثي تمضي في نهج دموي لا يتوقف إلا تحت ضغط حقيقي. وكل تأخير في التدخل يعني احتمال ظهور ضحايا جدد، ودخول اليمن في دورة جديدة من الإعدامات التي لا تخدم سوى مشروع الفوضى والتطرف الذي تحمله هذه الجماعة منذ انقلابها على الدولة.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد انتهاك قانوني؛ إنه جريمة ممنهجة بحق شعب كامل، ومؤشر خطير على مستقبل أكثر ظلاماً ما لم يتكاتف اليمنيون والعالم لإيقاف هذا السلوك الإجرامي الذي يهدد حياة الأبرياء وسيادة القانون وحقوق الإنسان.