آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-12:56ص

قراءة في قرار تحرير الدولار الجمركي

الأحد - 02 نوفمبر 2025 - الساعة 09:42 م

يعقوب السفياني
بقلم: يعقوب السفياني
- ارشيف الكاتب


قرار تحرير الدولار الجمركي يُفترض أن يكون خطوة نحو تصحيح هيكلي في السياسة المالية، لكنه في السياق المحلي اليمني يبدو أشبه بعملية جراحية تُجرى في جسد مريض بلا تخدير. فبلادنا اليوم يملك نظاما جمركيا مزدوج، غير منضبط.


وهو أيضا محاط بشبكات نفوذ محلية تتعامل مع المنافذ كمصادر تمويل ذاتي أكثر من كونها موارد وطنية.


المجلس الرئاسي - بحسب الوثائق المتداولة والتي تحققت من صحتها - ربط تنفيذ القرار بشرطٍ أساسي استكمال معالجة الإيرادات وتوحيدها في البنك المركزي. هذا الشرط بحد ذاته اعتراف ضمني بأن الدولة لا تملك سيطرة مالية كاملة، وأن معظم المحافظات والجهات ما زالت تدير إيراداتها خارج النظام الرسمي. لكن الخشية الحقيقية هي ان تسبق الخطوة النقدية خطوة الإصلاح المالي، فيرفع السعر الجمركي قبل أن تُغلق منافذ التسرب. وفي هذه الحالة، سيرتفع عبء المواطن، بينما تستمر نفس الجهات في الاستحواذ على العائد.


ما يزيد خطورة القرار أن اليمن لا يملك حاليا قائمة إعفاءات جمركية واسعة للسلع الأساسية. الإعفاءات موجودة لكنّها محدودة ومقيدة بشروط خاصة — مثل الأدوية الأساسية، المعدات الطبية، أو واردات إنسانية أو استثمارية بموافقات مسبقة. بمعنى آخر، السلع الغذائية والاستهلاكية التي يعتمد عليها المواطن ليست معفاة (بحسب اطلاعي من المصادر الرسمية)، وستتأثر مباشرة برفع الدولار الجمركي. وهذا يعني أن التحرير سيضرب أسعار السلع الأساسية بلا وجود شبكة أمان.


اقتصاديًا، سيؤدي رفع السعر الجمركي من 750 إلى أي مستوى قريب من السوق (قد يتجاوز 1300 ريال للدولار) إلى تضخم فوري في الأسعار، خصوصًا في ظل ضعف المنافسة، وغياب رقابة السوق، وارتفاع كلفة النقل والطاقة. ومع ضعف الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة، سيقود القرار إلى انكماش استهلاكي يزيد من ركود السوق، ويُضعف النشاط التجاري المحلي.


الإيجابية النظرية الوحيدة تكمن في أن التحرير إذا تم بعد ضبط الإيرادات سيزيد الإيرادات العامة ويمكّن البنك المركزي من إدارة السيولة واستقرار الصرف. كما قد يحدّ من الفروقات بين المنافذ ويقلص تهريب السلع إلى مناطق الحوثيين حيث ما يزال السعر الجمركي 250 ريالًا. لكن هذه المكاسب لن تتحقق إلا إذا وُجِد التزام مؤسسي قوي بإغلاق الحسابات غير القانونية وإلغاء الصناديق الموازية.


الحقيقة أن المشكلة ليست في القرار نفسه بل في توقيت التنفيذ وواقع الدولة. فقرارات كهذه في اقتصاد هش ومنقسم سياسيا قد تتحول إلى عبء اجتماعي جديد، وتُفقد الحكومة ما تبقى من الثقة الشعبية التي هي بالأساس في أسوأ أحوالها. ما لم تُصاحَب هذه الخطوة بسياسات موازية مثل حماية السلع الأساسية، دعم النقل الغذائي، وتفعيل الرقابة الجمركية والضريبية فإن النتيجة المرجحة هي تضخم واسع واحتقان اجتماعي متصاعد.


#يعقوب_السفياني

من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك