آخر تحديث :الأحد-26 أكتوبر 2025-01:13ص

من فندق موفنبيك إلى سجون الحوثي: مأساة الموظف الأممي اليمني

الأحد - 26 أكتوبر 2025 - الساعة 12:47 ص

رياض الدبعي
بقلم: رياض الدبعي
- ارشيف الكاتب


في خضم الكارثة الإنسانية التي يمر بها اليمن، تتكشف فصول أزمة جديدة تُلقي بظلال كثيفة من الشك على مبدأ الحصانة والرعاية الواجبة التي من المفترض أن تلتزم بها منظمة الأمم المتحدة ‎@UN تجاه العاملين في حقل الإغاثة. إن قضية الموظفين الأمميين المعتقلين، التي بلغ عددهم نحو 55 شخصًا مؤخراً، لا تمثل مجرد انتهاك لامتيازات المنظمة، بل تكشف عن تناقض صارخ في استراتيجية الأمم المتحدة، تناقض يهدد بتقويض مصداقيتها ويضع حياة موظفيها المحليين على المحك.

أزمة الاعتقال والتخلي: إنكار للالتزام القانوني يمثل احتجاز موظفي الأمم المتحدة ‎@UNinYE ، بمن فيهم موظفو برنامج الغذاء العالمي ‎@WFPYemen انتهاكاً جسيماً للمادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946. هذه الانتهاكات تجري على خلفية خطابات عقائدية تحريضية يلقيها زغيم الميليشيا عبدالملك الحوثي ، والتي نلاحظ أنها تُتبع مباشرة بموجات اعتقال جديدة، مما يؤكد أن الاستهداف ممنهج ومدفوع بأجندة سياسية.

لكن المأساة لا تقف عند الاعتقال. فالمعلومات الواردة تؤكد أن مكتب الأمم المتحدة في اليمن، وعلى الأخص برنامج الغذاء العالمي، لا يكتفي بالتراخي، بل يفكر جدياً في تسريح الموظفين المعتقلين وإنهاء عقودهم. والأسوأ من ذلك، أن البرنامج قام بالفعل بإنهاء عقود أربعة من الموظفين الحاليين غير المعتقلين، مما يجعلهم عرضة فورية للاعتقال، ويحولهم من كادر تحت الحماية الدولية إلى مواطنين يمنيين يواجهون وحدهم تهديد سلطة الأمر الواقع (مليشيا الحوثي).

هذا الإجراء يمثل تنصلاً واضحاً من المسؤولية، ومحاولة للتهرب من التبعات القانونية والمالية والأخلاقية. بفصلهم أو التهديد بفصلهم، تحول الأمم المتحدة الموظفين المعتقلين أو المهددين بالاعتقال من "كادر دولي يتمتع بالحصانة" إلى "مدنيين" يواجهون وحدهم قضاءً تتحكم فيه سلطة الأمر الواقع (مليشيا الحوثي). لقد تم التضحية بهم وجعلهم في مواجهة مباشرة مع تهم خطيرة، مثل التجسس والعمالة لإسرائيل، وهي تهم زائفة تُستخدم عادة لتبرير الإعدام أو السجن الطويل، خاصة أمام محاكم متخصصة بقضايا الإرهاب. إن هذا التخلي يضع الموظفين أمام خطر فقدان حقهم في الحرية وربما الحق في الحياة، في ظل غياب أي شكل من أشكال الحماية أو الدعم القانوني الفعّال من قبل جهة توظفهم وتعهدت بسلامتهم.

ازدواجية المعايير: مفارقات بين حماية الأمس والتخلي اليوم

لعل التناقض الأشد إيلاماً يتضح عند مقارنة استجابة الأمم المتحدة الحالية بسلوكها أثناء ثورة الشباب عام 2011. في تلك الفترة، وعلى الرغم من الاضطراب السياسي ووقوع مناوشات مسلحة متقطعة بين الفرقة الأولى مدرع والحرس الجمهوري سابقاً ، حيث كان شارع الزبيري يشكل خط تماس ساخن، كان الخطر الموجه للموظفين عاماً ولم يكن استهدافاً مباشراً.

ماذا فعلت الأمم المتحدة آنذاك؟ لقد قامت بنقل موظفيها الساكنين في مناطق التماس (كشارع عدبان) إلى فندق موفنبيك، بتخصيص أجنحة خاصة وتأمين إقامتهم، مع صرف تعويض يومي سخي وصل إلى حوالي 180 دولار، وكل ذلك تحت شعار الحفاظ على أمنهم وسلامتهم. أما اليوم، وفي مواجهة تهديد من نوع مختلف وأكثر خطورة. وهو الاستهداف المباشر والممنهج المتزايد للموظفين الأمميين عن طريق الاختطاف والاعتقال القسري

فإن الأمم المتحدة لم تعمل على إعادة تقييم المخاطر بجدية، بل قامت على العكس بإنهاء عقود بعض الموظفين، وتفكر جدياً في فصل البقية. لقد تم التضحية بالحماية التي كانت متاحة في بيئة اضطراب سياسي (2011) ووجود شكل من أشكال الدولة والقضاء، في مقابل التخلي عن الموظفين اليوم في بيئة شديدة التدهور تسيطر عليها الميليشيات بالكامل.

هذا التمييز الصارخ يوضح أن الأمم المتحدة قد اختارت الانسحاب بذكاء قانوني من مسؤولية الدفاع عن كادرها المحلي، واكتفت بإجلاء الموظفين الأجانب (البالغ عددهم 15 موظفاً)، تاركة الموظف اليمني يواجه مصيره أمام قضاة يتحكم فيهم الخصم. هذا السلوك يرسل رسالة مفادها أن مصالح استمرار العملية الإنسانية فاقت مصالح حماية الكادر البشري، ويؤكد الازدواجية في معايير الحماية بين الموظف الدولي والموظف المحلي.

مساءلة القيادة: دعوة إلى الشفافية والمسؤولية

إن هذه التناقضات تضع المسؤولية الأخلاقية والمهنية مباشرة على عاتق قيادة الأمم المتحدة في اليمن، بما في ذلك المنسق المقيم. يجب مساءلتهم عن الإجراءات المتخذة التي أدت إلى إنهاء عقود الموظفين، وعن التفكير بجدية في تسريح المعتقلين، وعن عدم توفير الحماية المطلوبة رغم تزايد موجات الاعتقال.

لقد اختارت الأمم المتحدة أسلوب الصمت أو الدبلوماسية الخلفية غير الفعالة، متناسية.