آخر تحديث :الأربعاء-01 أكتوبر 2025-01:50ص

علي عبدالله صالح .. أب اغتيل جسده وبقيت وصيته خالدة في قلوب أبنائه

الأربعاء - 01 أكتوبر 2025 - الساعة 01:43 ص

نزار الخالد
بقلم: نزار الخالد
- ارشيف الكاتب


لم يكن والدي الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح مجرد رئيس حكم اليمن لعقود طويلة من الزمن، بل كان أباً عظيماً لكل يمني، ورمزاً وطنياً نبتت جذوره في تربة هذا الوطن، حتى غدا اسمه مرادفاً لليمن أرضاً وإنساناً و لقد كان حضوره في حياة الناس أكبر من منصب، وأعمق من سلطة؛ كان أشبه بروح جامعة تستوعب التنوع، وتلملم الجراح، وتحمل هموم اليمنيين من أقصى الشمال إلى أبعد الجنوب.


عاش الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح بين الناس، يعرف قراهم ومدنهم، يشهد أفراحهم ويشاركهم أحزانهم، ويؤمن أن اليمني خُلق ليعيش مرفوع الرأس في وطن كريم لا يعرف الذل. لم يكن يراهم رعايا، بل أبناءً من صلبه، يتعامل معهم بحسّ الأبوة وحرارة الانتماء، ويقودهم برؤية الزعيم الذي يستشعر أن مسؤوليته ممتدة من رغيف الخبز حتى حدود الوطن وسيادته، ومن بقاء بيت الفقير آمناً إلى بقاء الجمهورية شامخة لا تنكسر.


لم يكن علي عبدالله صالح رئيساً مرَّ على كرسي الحكم ثم تاه في زحام التاريخ، بل كان أباً كبيراً لليمن، عاش تفاصيل حياة شعبه لحظة بلحظة، ورافقهم في صعودهم وهبوطهم، وضحك معهم في أيام السلم، وبكى في أعماقه لجراحهم في أيام الحرب. وأبى إلا أن يرحل واقفاً، شامخاً، مقاتلاً حتى آخر نفس، وهو يواجه مشروع الإمامة بصلابة الجبال الراسخة.


في عهدك لم نعرف الخوف على أعراضنا، كنت لنا سداً منيعاً وصوتاً يردع الظلم. كنتَ الرئيس الذي يحمل همَّ الوطن في صدره، فكنت الأب والأخ والصديق، ومنبع الكرامة لكل يمني يمشي مرفوع الهامة. أما اليوم فها نحن نختبئ في بيوتنا ونخشى على بناتنا وفلذات أكبادنا، بعدما انقلبت الموازين وجاء من يدعي الحكم الإلهي ليزرع الخوف وينتهك الحرمات ويغتال الطمأنينة.


يا سيدي الرئيس، يا أبي الشهيد علي عبدالله صالح، أُقسم عليك وبكل ما في القلب أن نستنطق العدالة لدمٍ سُفك، وأن نطلب القصاص لكل مظلومٍ فقد راحته وكرامته. لقد سُلبت الحقوق ونُهبت الممتلكات، وترملت نساء وتيتم أطفال، وصار الفجر لدى كثيرين مثقلاً بالخوف والألم. لن تُمحى ذكراك من صدورنا، بل ستبقى شعلة تُضيء دروب الوفاء وتقودنا نحو استعادة الوطن المشرّف.


حين اغتيل على يد عصابة الغدر والكهنوت الحوثية، لم يقتلوا جسده فقط، بل استهدفوا قلب اليمن الذي كان ينبض في كيانه. غير أن حساباتهم كانت خاطئة؛ فالآباء لا يُمحون من ذاكرة أبنائهم، بل يتحولون إلى رموز خالدة تسكن الضمائر، وتُضيء الطريق في أحلك اللحظات.


ترك الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح ملايين الأبناء في القرى والمدن؛ بعضهم يقاتل في الجبهات بشجاعة، بعضهم يصارع الحياة في وجه الحصار والجوع، وبعضهم يرفع علم الجمهورية خفيةً في الأزقة خوفاً من بطش المليشيا. لكنهم جميعاً يحملون في صدورهم وصيته التي صارت عهدًا لا يُنقض: "اليمن جمهورية، وستبقى كذلك."


رحل الأب، لكن أبناءه لم ينكسروا، ولم ينطفئ وهجهم. قد تفرّقوا في المنافي أو ضاقت بهم سبل العيش في الداخل، لكنهم يلتقون في حب واحد هو اليمن. وكلما ارتفعت شعلة سبتمبر، وكلما دوّى هتاف "الجمهورية"، يُستحضر الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح بينهم، وكأنه ما زال بينهم يبتسم بوجهه المألوف ويقول بثبات: "لا تفرطوا بوطنكم."


اليوم، ونحن نعيش بين جراح الحرب وقسوة المعاناة، لا نملك سوى أن نقرأ في وصيته الخالدة طريق الخلاص: التمسك بالوطن، توحيد الصف، ورفض كل مشروع دخيل يحاول سرقة مستقبلنا. لقد كان صالح أباً بحق، لأن الأب لا يترك أبناءه بلا نصيحة، ونصيحته الأخيرة كانت مدوية وصريحة: لا عودة للكهنوت، ولا استسلام للطغيان.


ولذلك، فإن دموع أبنائه من الشعب ليست دموع ضعف، بل وقودًا للكرامة، ونارًا متقدة تحرس الجمهورية. يواجهون الموت بصبر الجبال، ويزرعون الأمل في أطفالهم كما يزرع الفلاح بذور الحياة في تراب قاحل، لأنهم يعرفون أن الأب الذي رحل لم يغادرهم، بل يسكنهم، يُذكّرهم أن الوطن يستحق التضحية، وأن الجمهورية قدر لا مفر منه.


ارتقى الزعيم علي عبدالله صالح شهيداً وهو ثابت على مواقفه، لم يساوم على كرامة اليمن ولا على جمهوريته، ولم يحنِ رأسه أمام الطغاة، وواجه حتى اللحظة الأخيرة مشروع الإمامة والكهنوت الذي أراد أن يعيد الوطن إلى القرون المظلمة. كان صوته وهو يعلن انتفاضة الكرامة في وجه الحوثي، أشبه ببركان أبٍ غيور على بيته الكبير الذي اسمه اليمن.


قد يختلف البعض حول سياساته، وقد تُكتب فصول متعددة عن سنوات حكمه، لكن الجميع يتفقون على أن الزعيم علي عبدالله كان أباً حقيقياً لليمنيين؛ بحضوره الكثيف، بقراراته الحاسمة، وبذلك الحب الفطري الذي ربطه بأرضه وشعبه. كان يعرف أن الزعامة ليست لقباً ولا سلطة، بل تضحية وصبر وقدرة على احتواء وطن مثخن بالجراح لكنه مفعم بالأمل.


لقد أراد الحوثيون باغتياله أن يقتلوا روح اليمن، لكنهم لم يدركوا أن القادة الحقيقيين لا يموتون. فهم يتحولون إلى ذاكرة حية في قلوب الناس، وإلى صرخة خالدة تتجدد في الأجيال. واليوم، كلما رُفع علم الجمهورية، وكلما تعالت الهتافات لثورة سبتمبر، يُستحضر اسم صالح في الوجدان الجمعي، أباً، وزعيماً، وشهيداً، ورمزاً للصمود.


نحن أبناء هذا الوطن نعدك: سنحمي المساجد ونرعاها برحمةٍ لا تبلى، وستعود المدارس منارات علمٍ وحرية، وسننقذ كرامة الإنسان من كل سطوة باطلة. نرفع راية الجمهورية فوق الخراب، ونضمّد جراح أهلنا بصبرٍ وثبات، ونصون الأرض والناس كما وصَيت، حفاظًا على عهد الأجيال. يا قائد، وبالأخذ بالثأر لكل يمني سفك الحوثيون دمه وانتهكوا عرضه وماله، تعود الثورة والجمهورية لتحرس كما حرستها أنت منذ أن كنت جندياً في صفوفها، وكتيبةً في معسكراتها، وقائداً في ساحاتها.


ستبقى صفحة علي عبدالله صالح خالدة في تاريخ اليمن، ليس لأنه حكمه، بل لأنه عاشه، واحتضن أبناءه، وأثبت حتى اللحظة الأخيرة أنه لم يكن رئيساً فحسب، بل أباً كبيراً لكل يمني، ووطناً يمشي على قدميه، ورجلاً استودع وصيته في قلوب الملايين: "اليمن جمهورية، وستبقى كذلك."