ليس جديداً أن يفاجئنا الإخوان المسلمون بمواقف غريبة؛ فالغرابة صارت علامتهم التجارية. الجديد هو أنهم لم يعودوا يكلّفون أنفسهم حتى عناء إخفاء تواطؤهم مع الحوثيين. تخيّلوا قيادات في جماعة تزعم أنها "حامية الشرعية" و"عدو الحوثي الأول"، فإذا بها تبادر بتقديم التعازي لمليشيا قتلت اليمنيين وشرّدتهم وهدمت بيوتهم، بعد مقتل عدد من قادتها، بينهم رئيس حكومة غير معترف بها وعدد من منتحلي صفة وزراء، في غارة إسرائيلية. أي عبثٍ أكبر من هذا؟!.
تعازي الإخوان للحوثيين ليست مجرد "واجب مجاملة" كما يحاولون تصويرها، بل هي اعتراف رسمي مكتوب على ورق ملوّن بأنهما حليفان في الخفاء، شريكان في الخراب، ووجهان لعملة واحدة.
من الحروب الست إلى "ثورة الويك إند"
لمن نسي، فلنذكّره: منذ الحروب الست في صعدة، لم يتوقف الإخوان عن مدّ الحوثيين بالدعم السياسي والإعلامي، وكأنهم كانوا يجهّزون المسرح لصعود "الرفيق الجديد". ثم جاءت أحداث فبراير 2011، التي يسمّيها الإخوان "ثورة الشباب"، ويسمّيها اليمنيون "نكبة الويك إند". يومها فتحت ساحات الإخوان أبوابها على مصراعيها، ليس للطلاب العاطلين ولا للحالمين بالحرية، بل لمسلّحي الحوثي القادمين من صعدة.
الإخوان أرادوا السلطة بأي ثمن، والحوثيون وجدوا المظلّة المثالية للتوسّع. شعارهم كان "الشعب يريد إسقاط النظام"، وحقيقتهم كانت: "الإخوان يريدون الكرسي، والحوثي يريد إسقاط الجمهورية".
دار الرئاسة.. وحادثة النفق
ثم جاء يونيو الأسود 2011، عندما استُهدف مسجد دار الرئاسة، في أبشع محاولة اغتيال لرئيس الجمهورية الشهيد علي عبدالله صالح ورجال الدولة وهم ساجدون.
من خطّط؟
ومن نفّذ؟
قد يختلف المؤرخون، لكن رائحة التخادم بين الإخوان والحوثي كانت تزكم الأنوف. ولم يكتفوا بذلك؛ بل تلتها "حادثة النفق"، محاولة أخرى لتصفية الرئيس، وكأن الطرفين كانا يتسابقان على من ينجح أولاً في تفجير رأس الدولة.
2014: إدخال الذئب إلى الدار
ولأن من شبّ على التخادم شاب عليه، جاءت الطعنة الكبرى في سبتمبر 2014. الحوثي دخل صنعاء كضيف شرف، والإخوان فرشوا له السجاد الأحمر من مؤسسات الدولة. الإصلاح، الذي يملأ الدنيا صراخاً عن الشرعية اليوم، هو نفسه الذي سهّل للحوثي اجتياح العاصمة، إما بالصمت، أو بالتواطؤ، أو بالمساعدة المباشرة. وكأنهم قالوا له: "تفضل، هذه صنعاء بين يديك، نحن شركاؤك في الفوضى".
استدعاء الخارج.. حتى إسرائيل!
ومن تخادم الداخل إلى تخادم الخارج. مغامرات الحوثي والإخوان معاً حوّلت اليمن إلى ساحة حرب إقليمية ودولية. كل القوى دخلت: إيران، تركيا، أمريكا، والآن إسرائيل. الغارة الأخيرة لم تكن سوى نتيجة طبيعية لمشروعين يعيشان على استدعاء الغير. ولك أن تتخيّل المفارقة: الحوثي يصرخ ليل نهار "الموت لأمريكا... الموت لإسرائيل"، بينما هو في الواقع يفتح الأبواب حتى يقصف الإسرائيلي أرض اليمن. والإخوان يصفّقون من لندن ويبعثون برقيات تعزية للحوثيين. أي مسرحية هزلية هذه؟.
التعازي الأخيرة... فضيحة لا تحتاج إلى تفسير
دعونا نكون واضحين: التعازي التي صدرت من الإخوان ليست خطأً بروتوكولياً ولا زلّة لسان. هي موقف سياسي صريح، يؤكد أن العداء المزعوم بين الطرفين مجرد كذبة تُروى على السذّج. لو كان الإخوان خصوماً للحوثي، لاعتبروا مقتله مكسباً لمشروعهم. لكن أن يذرفوا دموع التماسيح ويبعثوا رسائل "حزن وأسى"، فذلك لا يترك مجالاً للشك: هناك تخادم، وهناك تحالف غير معلن، وهناك مشروع مشترك يقتات من خراب اليمن.
السخرية المُرّة
الغريب أن كليهما – الحوثي والإخوان – يرفعان شعارات كبرى: الحوثي يصرخ "الصرخة" صباح مساء، والإخوان يتغنون بـ"الخلافة". لكن عند التدقيق، نكتشف أن الاثنين لا يهمّهما لا القدس ولا الدولة الإسلامية. كل ما يريدانه هو الكرسي والسلطة والنهب باسم الدين. الحوثي ينهب باسم آل البيت، والإخوان ينهبون باسم "المشروع الإسلامي العالمي". وما بين هذا وذاك، يتفتّت اليمن، ويتشرّد الناس، وتُستدعى إسرائيل لضرب الأرض العربية!
الخلاصة: شراكة في الجريمة
اليوم، وبعد كل ما جرى منذ 2011 حتى اللحظة – من الساحات إلى دار الرئاسة، ومن النفق إلى انقلاب 2014، ومن إدخال الحوثي إلى صنعاء إلى التعازي الأخيرة – لا يحتاج الأمر إلى "محلل سياسي" ليشرح. الصورة واضحة: الحوثيون والإخوان شريكان في الجريمة.
اليمن هو الضحية، والشعب هو الخاسر الأكبر، بينما هم يوزّعون الأدوار: واحد يرفع السلاح باسم "آل البيت"، والآخر يرفع القرآن باسم "الخلافة"، وكلاهما يضحك في النهاية على جراح اليمنيين.
إذن، تعازي الإخوان للحوثيين لم تكن سقطة، بل كانت توقيعاً جديداً على عقد التخادم المشترك. وما لم يدرك اليمنيون هذه الحقيقة، وما لم يتعاملوا مع الطرفين كخطر واحد، سيظل المسرح مفتوحاً لمزيد من الدماء والفوضى.
ولعل أكثر ما يثير السخرية أن هذه التعازي بدت كأنها بطاقة تهنئة على خراب اليمن، أكثر منها رسالة مواساة. كأن الإخوان يقولون للحوثي: "مبروك علينا وعليك... مشروع تدمير الدولة يسير بخطى ثابتة!"