آخر تحديث :الأربعاء-03 سبتمبر 2025-02:02ص

صنعاء أولاً… أم إسرائيل؟

الأربعاء - 03 سبتمبر 2025 - الساعة 12:56 ص

سمير اليوسفي
بقلم: سمير اليوسفي
- ارشيف الكاتب


في الفلسفة، هناك دائماً متسعٌ للحديث عن “الخيار الثالث” و”الحل المثالي”؛ لكن في دهاليز السياسة المظلمة وغرف الحرب المغلقة، لا توضع أمامك إلا ورقتان، كلتاهما مُرّة، ويُطلَب منك أن تختار.

هذه هي تراجيديا اليمن اليوم: أن تُجبَر على المفاضلة بين عدوّين؛ عدوٌّ يسكن الذاكرة، وجرحه ممتد عبر عقود، هو إسرائيل، وعدوٌّ يقيم في الداخل، يهدد فكرة الدولة من أساسها، هو الحوثي. الأول يذكّرك بجرح الأمة، والثاني ينخر جسد الوطن. وحين يقرّر الأول أن يقصف الثاني، تجد نفسك في قلب معضلةٍ لا تُحسَد عليها.

الشعارات الرومانسية تقول: ارفض الاثنين؛ قف على التلّة وشاهدهما يتقاتلان. لكن، ماذا لو كانت المعركة تدور في باحة منزلك؟ ماذا لو كانت التلّة نفسها هي أول ما سيحترق؟

هنا يبدأ الحساب الموجع: أيهما الخطر الأعظم؟ أيهما التهديد الذي إن تركته اليوم، فلن تجد غداً وطناً لتدافع عنه؟ الأمر أشبه بطبيبٍ في غرفة طوارئ، أمامه مريضٌ بداءٍ مزمن لكنه مستقر، وآخر ينزف بغزارة وسيموت خلال دقائق. أيهما يعالج أولاً؟

الحوثي هو ذلك النزيف الحاد؛ الخطر الداهم الذي يهدد بقاء الدولة. مشروعه لا يقبل الشراكة، ولا يعترف بحدود الوطن. أما إسرائيل، فهي ذلك المرض المزمن؛ خطرها ثابت وتاريخي، لكنه في هذه المعادلة ليس من يقتلع مؤسسات الدولة من الداخل.

وقد يقول قائلٌ، بصوتٍ تخنقه الواقعية: إن استعادة صنعاء للمشرَّد منها أولى من استعادة القدس البعيدة؛ لا لأن فلسطين خرجت من الذاكرة، بل لأن من لا يملك بيتاً آمناً ولا دولة مستقرة، لن يملك القدرة على الدفاع عن أي قضية خارج حدوده.

الحياد بينما بيتك يحترق ليس حكمة، بل هو انتحار بطيء. والسياسة في أقسى صورها ليست مفاضلة بين الخير والشر، بل بين ما يمكن إصلاحه وما لا يمكن إصلاحه.

لكن، حتى مع هذا المنطق البارد، يبقى السؤال معلقاً في شوارعنا المفتوحة:

هل يقبل الناس أن تختار بين نزيفٍ قاتل ومرضٍ مزمن، أم أنهم سيرون في كل اصطفافٍ مع العدو التاريخي خيانةً لا تُغتفر؟