عندما ما يستهل الضيف ويشير مرارًا وتكرارا بـ "ما لا يعرفه الكثيرين، وما لا يدركه الكثيرين، وما سوف يستغربه الكثير"، فإن ذلك يدلل بأن المتحدث سوف يأتي بمستحدث ومبتكر وبما لم تأتي به الأوائل؛ علمًا أن كل ما ذٌكر ليس علمًا لدّني، بل ورد في كثير من المؤلفات وخصوصًا في مستنقع مكتبة الكهنوتية السلالية!. وفي الحقيقة، أن الإنتاج المعرفي الجديد كليًا الذي لم يسبق لأحد معرفته والتوصل له، ويمنح صاحبه حقوق قانونية وحصرية يُطلق عليه بـ "براءة الاختراع"، أما إعادة قراءة المشهد بناءً على المؤلفات السابقة دون فحصها وتدقيقها وتحليلها وتفسيرها، ومن غير إيراد وجهات نظر الأطراف المتعددة، فإن ذلك يعد نقل، بل ونقلاً مذموم ذو تحاملاً مسبق!.
وعملية الإنتاج المعرفي المرتبطة بالتأليف قائمة على جمع المعلومات وفرزها وتنظيمها وتصنيفها وتحليلها وربطها بواسطة الأخذ بالدراسات السابقة مما تم تأليفه أو سرده سلفًا، ومن ثم الانتقال إلى التفسير والاستنتاج والاستدلال وإعادة التركيب مجددًا. والسرديات السابقة ناتجة من سرد القصص أو ذكر الوقائع أو رواية الأحداث، وقد تكون مُستخلَصة من المشاركة الفعلية في الأحداث أو معايشة الواقع أو الاستماع والتناقل!.
ثم أن الباحث المُتمكن يمتلك قدرات التفكيك والتحليل وإعادة التركيب، ولديه مهارات تساعده على فهم خلفية المُؤلف وتحيزاته قبل الشروع بفهم المحتوى الذي أنتجه، ويتمتع بكفاءة تعينه على تحديد "السبب" والتسلسل المنطقي للوصول إلى "النتيجة"؛ ولا ينبغي للباحث أن يخلط بين "السبب" و"النتيجة" أو يبدل موضعهما، ولا يليق به أن يكون كـ الببغاء يردد كل ما يقع على مسامعه، ولا يصح له أن يكون كـ الناسخ يعمل على كتابة كل ما قراءة!.
وأبسط مثال لتوضيح السطور السابقة أعلاه، عندما يقرأ الباحث بأن أنهيار الدولة نتج عن تهدم السد، فيجب على الباحث الفطن تحديد "السبب" والتسلسل المنطقي الذي أدى إلى "النتيجة"، وقد يصل الباحث إلى تسلسل منطقي معاكس لما طُرح سابقًا متمثل بأن سبب تهدم السد نتج من عدم الصيانة وغياب حماية جدرانه من مختلف المُهددات، وعدم الصيانة والحماية نتج من ضعف الدولة وضعف وإمكاناتها، وبالتالي ضعف الدولة وإمكاناتها أدى إلى انهيار السد، وليس العكس!. إضافة لذلك، عند قراءة الباحث تقارير تنص عن استخدام أسلحة كيماوية فتاكة في حروب سابقة، وبأنها لم تستخدم مرة واحدة بل استمر استخدامها لما يقارب الخمس سنوات، وبأنها أبادت قُرى بأكملها، فقد يتساءل الباحث عن صحة تلك المعلومات من عدمها، وعن الآثار الجانبية لتلك الأسلحة، ولماذا لم تحسم الأمور وطالت مدة الصراع، بل ويتوجب أخلاقيًا على الباحث نقل كافة التقارير الأخرى المرتبطة بالأحداث وسياقاتها، ومنها التي أشارت بأن "الكيان الغاصب" قام بطلعات جوية مساندة لفلول الكهنوتية السلالية ضد الجمهوريين، وطرح تساؤلات حولها وتحليل الروابط فيما بينها، وماذا إذا كانت تلك التجارب والأسلحة الكيماوية استخدمت من قبل "الكيان الغاصب" لدعم الكهنوتية السلالية ضد الجمهوريين من أبناء الشعب!.
وقد هاجم ما يسمى بـ "الباحث" شكل نظام "الحكم الجمهوري"، وتهكّم على كافة "الخطابات الجمهورية" تحت ذريعة أنه نظام مستورد، دون مناقشة المسببات الجذرية والجوانب المتعددة لفشله، بما في ذلك إحدى المسببات المتمثلة بـ الخلطة الهجينة التي فُرضت عبر المصالحة الجمهورية-الملكية بواسطة وضع ملعقة "جمهورية"، وملعقة "تكتل ثالث"، وملعقتين "جمهورية زيدية"، وملعقتين "إمامية كهنوتية سلالية" في فنجان السلطة، وخلطها مع بعضها البعض حتى أصبح ذلك الكوب بنكهة الموروث الزيدي بشقيه؛ فنتج عنها ما نتج مما نراه في وقتنا الراهن!.
أما أن يتم إحالة كافة الإشكاليات ومسببات الإخفاق إلى شماعة أن نظام الحكم السياسي "مستورد"، فإن أنظمة الحكم السياسية كلها مستوردة ومتبادلة بين دول العالم، فـ "النظام الإمامي" هو في أصله نظام مستورد وعبارة عن "نظام ثيوقراطي" قائم على حكم الفرد المطلق الذي يستمد فيه الحاكم سلطته مباشرة من الإله مع اختلاف السياقات الدينية وإضافة بعضًا من مسحوق كهنة الآل فقط، والأنظمة الملكية كانت موجودة في دول أخرى قبل أن تتواجد في شبه الجزيرة العربية أي أنها مستوردة أيضًا، ونظام "السلطنة" هو نفس "النظام الملكي" مع اختلافات طفيفة بما فيها مسمى الحاكم وتعد مستوردة أيضًا، ونظام "الإمارات المتحدة" هو نفسه "النظام الفيدرالي" المستورد الذي تتشارك فيه السلطة بين حكومة مركزية وحكومات محلية قد تسمى مقاطعات أو ولايات أو أقاليم أو ممكن تغيير مسمياتها إلى "إمارات"!. أي بصيغة أخرى أن أنظمة الحكم السياسية في شبه الجزيرة العربية كلها مستوردة، ونجاحها وفشلها مرتبط بعوامل عدّة مترابطة، وبمكونات متشابكة، وبعناصر داخلية ودوافع خارجية!. أما الحُجة الأخرى الذي أشار إليها ما يسمى بـ "الباحث"، والمتمثلة بأن النظام الجمهوري أهمل أهم مكون مجتمعي متمثل بـ "القبيلة" وهمش مراكز النفوذ المتمثلة بـ "مشايخ القبائل، ولواحق المذهب الزيدي"، فذلك مغاير للواقع ومنافي للصحة، ولولا طغيان مراكز النفوذ القبلية الزيدية على السلطة وعلى حساب أبناء الشعب، واختراق الكهنوتية السلالية لمفاصل نظام الحكم، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم!. وبالتالي، فإن السطور البسيطة أعلاه المكتوبة بثواني معدودة، تنقض بسهولة تامة الفرضيات الأساسية الواردة في كُتيب "جمهورية بلا جمهور"!.
ويتعجب ما يسمى بـ "الباحث" بأن جندي قادم من أسرة فلاحية بسيطة حكم اليمن دون أن يلتف أحد إلى لقبه لفترة طويلة، وذلك لا يدعو إلى التعجب ويٌدرج ضمن مزايا "الجمهورية" لا عيوبها، ويصادق على أنها حققت جزء من أهدافها، ولا تنتقص من مشروعية رئيسها، وتؤكد بأن الشعب اليمني متعايش مع الجميع، وتثبت بأنه كان أمام الكهنوتية السلالية فرصة ذهبية للانصهار في أوساط الشعب اليمني والتعايش معه خلال عقود الجمهورية الأولى، ولكنها أبت وتنكرت لذلك، وسوف تتحمل مستقبلاً كافة التبعات حتى لو حاولت إخفاء ألقابها!.
عندما يخلط ما يسمى بـ "الباحث" ترتيب دول اليمن في التاريخ الإسلامي وارتباطاتها وأسباب سقوطها، ويتم توصيف الدويلات الزيدية القروية السابقة بـ "الدول"، ويتم تغيير توصيف الدول المزدهرة الممتدة جغرافيًا وزمنيًا إلى "دويلات"، فإنه يعاني إشكالية بعد وقصر النظر معًا، وبحاجة ماسة لـ عدسات تكبير وتصغير ذات خاصية تنظيم تباينات الألوان التاريخية!. ومن يتحدث باستهجان بأنه كان يشعر بالانتماء إلى الوطن (أي الجمهورية) الذي تُعّرفه الدولة في مناهجها التعليمية أكثر من شعوره بالانتماء إلى المجتمع نفسه؛ فإنه لن يكون إلا مناهضًا للسلالية، ومجابهًا للكهنوتية، ومساندًا كليًا للجمهورية، لا النقيض من كل ذلك!.
و"الباحث" الذي يصل إلى نتيجة هامة مفادها بأن المناطق ذات الأمطار الموسمية الغير منتظمة كانت السبب الرئيسي وراء ممارسة الهمجية والسلب والسطو، فإن ذلك تسطيحًا للأمور، وتبريرًا للجنايات، وتركًا متعمدًا للحقائق المرتبطة بـ الطائفية والعنصرية والعصبوية والإجرامية والهمجية المدمجة في كينونة "الموروث الزيدي"؛ علمًا بأن هنالك مناطق يمنية أخرى خارج إطار "الموروث الزيدي" تُعد أكثر شحة بالأمطار وأقل إنتاجًا للمحاصيل، ولكن لا تجد فيها تلك الممارسات البشعة، ولا تجد فيها أيضًا من يدفعها نحو الممارسات المشينة تحت مبررات واهية ومصطنعة؛ وكأن الحل الأمثل لتلك الإشكالية من وجهة نظر ذلك "الباحث" يتمثل بإيجاد نظام حكم سياسي ذو خاصية أمطار اصطناعية لإيقاف تلك الممارسات!.
أما بخصوص إشارة ما يسمى بـ "الباحث" إلى إشكالية مناهج الدولة الحداثية (النظام الجمهوري) المتمثلة بتركيزها في عمليتها التعليمية على الديمقراطية والانتخابات والسلطة التشريعية وغيرها، دون أن تعطي مساحة كافية لتعليم التركيبة القبلية الاجتماعية، التي من شأنها الغوص في تفاصيل التمايزات الطبقية الرأسية والأفقية المتمثلة بـ "السيد، والشريف، والقاضي، والفقيه، والمراغة، والشيخ، والقبيلي، والمزين والخادم، وغيرها"؛ فإنه يكفي أن يتم إحالة ذلك "الباحث" لإعادة قراءة معنى "الجمهورية"، ولإلقاء نظرة سريعة على أهداف الجمهورية!.
كما أن أبجديات البحث في الشؤون السياسية تتمثل في فهم التقسيم الإداري الجغرافي للدولة، لا الخلط في تراكيبها (محافظات، مديريات، مدن/عزل، أحياء/قرى، حارات/محلات)؛ علمًا أن أحد مآخذ الجمهورية أنها احتفظت بالتقسيمات الإدارية الجغرافية التي كانت في عهد الإمامة البغيضة (لواء، مخلاف، قضاء، ناحية) مع تعديلات طفيفة دون أن تفكك خريطة الألغام الجغرافية وتنتزع فتيلها، لا كما يدعيه ما يسمى بـ "الباحث" بـ التقسيم الجغرافي العبطي "للعهد للجمهوري" الذي خلق العزلة ما بين المناطق المتجاورة، متجاهلًا بأن في عهد الإمامة البغيضة كان هنالك أربعين نقطة جباية ما بين صنعاء وإب، وأنه كانت تفرض جباية على كل "جمل" ينتقل من قرية إلى أخرى سواءً كان "الجمل" بحمولة كاملة أو نصف حمولة أو بدون حمولة، وكان الإمام البغيض يمنع مشاريع شبكة الطرقات تحت ذريعة أنها سوف تتيح للأجانب التوغل في البلاد!. (علمًا بأن آخر سطرين في الفَقرة أعلاه ليس خطاب جمهوري، بل خطاب المكتبة الأجنبية للكاتب الأمريكي فاروجي والكاتبة الروسية إيلينا جولوبوفسكيا وغيرهما)
ويرى ما يسمى بـ "الباحث" بأن الزيدية وأئمتها كان لديها طموح توسيع رقعة الدولة وكان يساند ذلك توافر العقيدة العميقة لديهم، ولكنها كانت تصطدم بأن أبناء القبائل اليمنية تبحث عن مصلحتها فقط (مرتزقة)؛ والشاهد التاريخي السطحي العكسي الذي يؤكد صحة تفسير "الباحث" من عدمه، هو التوسع الدائم للدويلات القروية الزيدية لا الانكماشات المتسارعة، وأن المقابر التاريخية كانت ممتلئة بجثث أصحاب العقيدة العميقة (السلالية الكهنوتية)، وخالية من أصحاب المصالح (أبناء القبائل اليمنية)، وكما هو الحال في عهدنا الراهن أيضًا!.
ويستخف ما يسمى بـ "الباحث" بسردية الدولة الحداثية المرتبطة بـ "ثورة الزرانيق" ويفسر بأن الأئمة كانوا يطالبوا بالمركزية ولكن قبائل الزرانيق كانوا من العدائين (أي يصطادون الغزلان عدوا) الذين لا يقبلوا المركزية، ولا يسميها "ثورة" بقدر ما يطلق عليها بتخفيف مٌخل بـ "مقاومة"؛ أي بمعنى آخر أن الصراع التاريخي ما بين الإمامية البغيضة والزرانيق تمثل بعدم وجود حدائق مفتوحة للزرانيق لممارسة هواياتهم المعتادة بصيد الغزلان والقفز على الجمال؛ علمًا أن المعلم التاريخي الوحيد للزرانيق في جبال محافظة حجة متمثل بـ "مقبرة الزرانيق" التي قتل فيها الأئمة ما يقارب ألف أسير، ولو أطلع عليها ذلك "الباحث" لفَسَّرها بأنهم مارسوا هواياتهم المرتبطة بالصيد والقفز في تلك الجبال، وأن سبب الوفاة ناتجًا عن السقوط من المرتفعات!.
ويصف ما يسمى بـ "الباحث" بأن الإمام البغيض يحيى لم يكن ظلاميًا ولا منعزلاً، وإنما كان قريب من الناس وكانوا يحبونه، إلا أنه أثناء فترة مرضة زادت الجبايات وتذمر الناس من ذلك؛ ولكنه بعد ذلك يسترسل في سياقًا آخر مرتبط بالتنمية ويبرر بأن الإمام يحيى ظل طوال فترة حكمه في إخماد التمردات هنا وهناك، وتلك التمردات بكل تأكيد تؤكد على محبة الشعب له، كما أن خاتمة الإمام يحيى كانت على فراش المرض - لا مقتولاً- ومن حوله دموع الشعب تثبت حجم الولاء له، والإشكالية فقط تتمثل بأن اليمن يحتاج إلى نظام حكم سياسي لا يرتبط اقتصاديًا بحالة الحاكم المرضية!.
ويسترسل ما يسمى بـ "الباحث" بأن الإمام البغيض أراد قبل ثورة سبتمبر المجيدة تحويل الحكم إلى "ملكي دستوري" لكي يتيح له ذلك توريث الحكم لولده، ويعلل ذلك بأنه نوعًا من التدافع الطبيعي الداخلي الذي يفضي إلى تقدم التاريخ؛ ولكنه في نفس الوقت ينعت ثورة أبناء الشعب اليمني في سبتمبر ضد الإمامة بمصطلح "اختطاف" عبر تبني الخطاب الناصري، ولا يعدّ ذلك نوعًا من التدافع الطبيعي الداخلي، وواقعيًا كان ذلك التدافع ضروريًا وحتميًا ليس فقط لتقدم عجلة التاريخ بل وللخروج من الظلمات إلى النور!.
واختزل ما يسمى بـ "الباحث" بأن ثورة أبناء الشعب في سبتمبر وتثبيت نظام الحكم الجديد الذي لا يوجد له أصل، كان ناتجًا عن ثأر قديم لحاشد ضد الإمامة (مقتل حميد الأحمر)، وكأن بقية القبائل وأبناء الشعب لم يكونوا يريدون التخلص من نظام الإمامة البغيضة، بل ويواصل الاجتزاء عن حرب الانفصال وما بعدها، ويتم تبرير الممارسات الهمجية البشعة على أنها نتجت عن ثأر قديم "لحادثة بيحان" التي وصفها بأنها كانت استدراجًا لدعم مشايخ القبائل ضد نظام حكم صنعاء في عهد "الحمدي"، ووصف بعد ذلك بأن نظام الجنوب هو من ثأر وانتقم من قاتل "الحمدي"؛ فوقع ذلك "الباحث" في متلازمة الثأر وفوضى التضارب واختلال تسلسل الأحداث التاريخية في آن واحد!.
ويشير ما يسمى بـ "الباحث" بأن حراك القومية اليمنية-أقيال لديها شعارات مقبولة متمثلة بأنها تريد دولة بجذور يمنية، وتستخدم الرموز اليمنية القديمة، ولكنها تعيد الخطاب اليساري بلغة يمنية وتتمسك بالنظام المستورد؛ متجاهلًا بأن كل أنظمة الحكم السياسية مستوردة وأن "النظام الجمهوري" في الواقع المجتمعي -لا المخيال- يتعدى مسألة نظام الحكم السياسي وبمثابة بوابة مضيئة للخروج من ظلمة الكهنوتية السلالية البغيضة، ومتناسيًا أن خلاصة خطاب القومية اليمنية-أقيال قائم على استعادة الهوية الوطنية واستنهاض الذات اليمنية وإحياء الموروث السبئي الحِميّري، على أن يحكم اليمني نفسه بنفسه ويدير ثروة أرضه بذاته، بعيدًا عن استخدام الأيدلوجيات العابرة التي مكنت بقايا دخلاء وغرباء الكهنوتية السلالية من السيطرة على السلطة والثروة وأتاحت لهم ممارسة أبشع الجرائم بحق الإنسان والأرض اليمنية!. وسأكتفي إلى هنا، رغم أن معظم النقاط التي أوردها ما يسمى بـ "الباحث" فيها من التناقض والتضارب وعدم المعرفة وغياب الإدراك سواءً كان ذلك بقصد أو عن غير قصد!.
قبل الختام، حالة الفوضى التي أشار إليها ما يسمى بـ "الباحث" خلال خروجه من اليمن نتجت من أنصاف الحلول عبر القبول بخلطة مكونات الفنجان، والتسامح والتناسي، ومن الاستيلاء على مفاصل الدولة بأيدي دخلاء لا يشعرون بالانتماء للوطن ولا يهمهم شأن المواطن، ومن موروث متغلغل في صناعة واتخاذ القرار ويطغى على ثقافة المؤسسات وطريقة التعيينات (الموروث الزيدي)، وغيرها من العوامل المتعددة؛ أما حالة الاستقرار في الدول المجاورة فإنها نتجت من الحلول الكاملة الشاملة الدائمة، ومن عدم سماحهم لبقايا الدخلاء بحكم أرضهم وإدارة ثرواتهم تحت ذريعة أي أيدلوجية، وبأخذ الحقوق كاملة دون تسامح أو تناسي، ومن موروث قائم على انتقاء رجالات الدولة والبطانة بشكل دقيق، وغيرها من العوامل الداخلية والخارجية المتعددة!.
ختامًا، الباحث الفطن الذي كان يريد سابقًا تجنب ما يسمى بـ "سردية الدولة الحداثية أو سردية البطل" والابتعاد عن ما يسمى " بالسردية الظلامية وسردية الخطاب الإمامي الكهنوتي البغيض" يذهب للتنقل بين ثنايا الكتب التي كٌتبت بواسطة مؤلفين عرب أو أجانب ممن زاروا اليمن ووصفوها بتلك المرحلة، والمتوفرة في المكتبة العربية والمكتبة الأجنبية؛ أما اليوم فكل ما يحتاجه "الباحث" الجاد يتمثل بعمل زيارة خاطفة لمناطق سيطرة الكهنوتية السلالية وأدواتها التاريخية القذرة لمعاينة الفقر والجوع والمرض والتجهيل والتضليل المٌتعمد، ومشاهدة واقعية ممارسات الإمامة البغيضة بأثرها الرجعي، ولمعرفة أن ما كُتب في المؤلفات السابقة عن همجية وبشاعة وإجرام الإمامة البغيضة عكس النزر اليسير منها فقط، وأيضًا التوصل لنتيجة مفادها أن "سردية الجمهورية" كانت متساهلة جدًا بقول إن أولئك أشرارًا وحسب!.