منذ أكثر من عشرة أعوام، لم تهدأ شوارع مدينة تعز من المظاهرات، إلا أن أثرها ظل غائبًا، وكأنها مشاهد تتكرر بلا نتيجة. لم يلتفت يومًا لصوت الشارع، ولم تترجم مطالب المحتجين إلى واقع ملموس، رغم استمرارهم وإصرارهم على التظاهر من أجل قضايا تمس حياتهم اليومية.
ما يميز مظاهرات تعز أنها ذات طابع سياسي في أغلبها، وكثير منها يخدم مصالح جهات وقوى بعينها، لا سيما تلك المسيطرة على مفاصل السلطة المحلية. فالمظاهرات التي يُسمح لها بالظهور والتفاعل الإعلامي غالبًا ما تكون تلك التي تصب في مصلحة السلطة التنفيذية، أو تحاول الدفاع عن سياسات القوى النافذة، أو تهاجم خصوم هذه القوى وتُشيطن وجودهم.
في المقابل، يُقمع كل صوت يرتفع مطالبًا بالإصلاح الإداري أو محاربة الفساد أو تحسين الخدمات الأساسية. وتُلاحق المظاهرات الرافضة للفساد والتدهور الخدمي بتهم جاهزة كـ "العمالة" أو "الخيانة"، وتُتهم بأنها خلايا نائمة، وتواجه بقمع أمني مباشر.
إن المطالب الأساسية لأبناء تعز، مثل الحصول على مياه نظيفة وكهرباء منتظمة، تُقابل بالإهمال لأن تحقيقها لا يخدم مصالح المتنفذين. هذه القوى تعتبر أن مؤسسات الدولة ومواردها ملكية خاصة، وأي محاولة لإصلاح الأجهزة المدنية أو الأمنية أو العسكرية تعني تهديدًا لمصالحها، كون هذه الأجهزة تعج بعناصر تتبعها وتدين لها بالولاء.
لذلك، فإن المظاهرات التي تسعى لتصحيح الأوضاع ومكافحة الفساد لا تجد صدى، لأن ما تطالب به يتعارض مع بقاء مصالح هذه القوى. وهنا في مدينة تعز، المصلحة العامة لا تساوي شيئًا أمام نفوذ المتنفذين، ولهذا يبقى صوت المواطن معزولًا، ومظاهراته بلا أثر.