المراقب لخارطة اليمن وتوزيع القِوَى ومراكز النفوذ فيها، خصوصًا بأجزاء اليمن الواقعة في الجهات الشمالية، سيجد أن هنالك ثلاث قِوَى أساسية موزعة ما بين: قِوَى الزيدية السلالية، ومراكز نفوذ الزيدية القبلية، وقِوَى مجتمعية واسعة لا تتبع الموروث الزيدي بشقيه وذات مخزون بشري كبير ولكنها جُردت بشكل ممنهج ولمراحل طويلة من الثروة والقوة (المال والسلاح)!.
تحتل "الزيدية السلالية" العاصمة السياسية صنعاء، وتسيطر على أجزاء واسعة من كافة المحافظات الشمالية والوسطى والسهول التهامية، ويعمل تحت كنفها ويقدم لها خدمات التحشيد والتجييش بعض أبناء القبائل اليمنية العكفوية من "الزيدية القبلية"، حيث إن آلية الحكم والسيطرة فيها تقوم على أن مُتخذ القرار يتمثل بـ "الزيدية السلالية"، وجزء من صناعة القرار وبقايا الفتات متروكة لـ "الزيدية القبلية"!.
وتسيطر بعض قِوَى "الزيدية القبلية" على بعض المناطق المحررة في أجزاء من سهول وسواحل الشمال، ويلتف حول عنقها ويتغلغل في مكاتب مقاومتها "الزيدية السلالية"، حيث إن آلية الحكم والسيطرة فيها تقوم على أن مٌتخذ القرار فيها يتمثل بـ "الزيدية القبلية"، ومعظم صناعة وطباخة القرار يتم عبر "الزيدية السلالية"!. وكلا الطرفين، أي الزيدية بشقيها السلالي والقبلي، يمتلكا الثروة والقوة (المال والسلاح) التي تم نهبها من مقدرات الوطن والمواطن، ويستطيع كليهما تجيير المخزون البشري في تلك المناطق لصالحهما!.
وهنالك مناطق محررة محدودة متمثلة بأجزاء بسيطة من بعض المحافظات فقط (مثل: مأرب، وتعز، والبيضاء والحديدة، وغيرها) ليست تحت سيطرة وإحكام الموروث الزيدي بشقيه، وتلك المناطق ذات مخزون بشري كبير ومجابهة كليًا للموروث الزيدي البغيض بشقيه؛ ولكنها مُجردة من وسائل القوة (المال والسلاح) إلا من النزر اليسير منه فقط!. والجدير بالملاحظة، أن الزيدية بشقيها (السلالية والقبلية) بكلا الطرفين، يتفقا ويعملا جاهدين على تشويه وزعزعة استقرار المناطق الخارجة عن سيطرتهما بشتى السبل ومختلف الطرق، وتحاولا إسقاط ما تبقى من مناطق محدودة في بعض المحافظات المحررة (آخر قلاع الجمهورية)!.
ولقد حاولت سابقًا "الزيدية القبلية" اختراق "القومية اليمنية" والسيطرة عليها، وتقييد مسارها، وتوظيفها كأداة للضغط على "الزيدية السلالية" فقط، وليس للتخلص من المشكلة الجذرية المتمثلة بـ الكهنوتية السلالية، ولا من أجل إيجاد الحلول الشاملة الدائمة؛ وإنما لإجهاض أي ثورة جذرية مقابلة ضد الموروث الزيدي؛ وذلك من أجل أن تعود "الزيدية القبلية" إلى سدرة الحكم مجددًا، ساحبة معها بعد ذلك قدوتها وشريكتها المنسجمة معها تمامًا المتمثلة بـ "الزيدية السلالية"!. وتاريخيًا وواقعيًا، فأن "الزيدية القبلية" لا تتفق ولا تنسجم ولا تثق ولا تتوافق إلا مع أسيادها من "الزيدية السلالية"، والعكس صحيح، فإن "الزيدية السلالية" لا تتلاءم ولا تعتمد ولا تتجانس إلا مع عكفتها وعبيدها من "الزيدية القبلية"، وعمل ويعمل كليهما على تدمير الأرض اليمنية، وعلى إقصاء وتشريد ونفي أحفاد سبأ وحِميّر وكافة اليمنيين الذين لا ينتمون للموروث الزيدي البغيض!.
وعندما نتحدث هنا عن "الموروث الزيدي"، فنحن نتجاوز المذاهب والجغرافيا والأيديولوجيا، ونركز على منظومة مراكز القِوَى وبُؤر النفوذ -لا على الأفراد المُضللين من بسطاء العامة-، وعلى الرغم من أن بؤرتها وسوادها الأعظم يقبع في الشمال، إلا أنها تنتشر في جميع جغرافيا الجمهورية اليمنية، وما تهريب السلاح من أقصى الجنوب لدعم الإمامة البغيضة ضد الجمهورية الأولى سابقًا، وتهريب كافة المعدات والأدوات والتجهيزات العسكرية اليوم من أقصى الشرق والجنوب إلى أقصى الشمال، إلا مثالًا واحدًا على انتشار الموروث على مختلف المناطق بدرجات متفاوتة!.
ويعتقد البعض بأن المناطق التي عانت من الموروث الزيدي بشقيه تتمثل بمناطق الشمال الشرقي والوسطى والتهامية والجنوبية فقط، والحقيقة أن اليمن كلها دون استثناء عانت منه ولا تزال بمستويات متفاوتة، بما في ذلك بعض مناطق شمال الشمال وأجزاء من المناطق المحيطة بصنعاء، وبمن فيهم بعض الهمدانيين الأُصَلاء الذين لا ينتمون للموروث الزيدي، حيث تم إقصائهم بشكل ممنهج من المواقع الوظيفية العليا والمتوسطة في الأجهزة الإدارية بشقيها (العسكرية والمدنية)، ومحاربتهم وحصارهم وصولاً لنهب ممتلكاتهم ومزارعهم وأراضيهم وتفجير منازلهم ونفيهم وتشريدهم!.
وها نحن اليوم نقرأ ونشاهد مجددًا عملية تشويه ممنهجة تطول كافة القيادات والشخصيات والوجاهات الوطنية والمناطق المناهضة والمجابهة للموروث الزيدي بشقيه، وفي الوقت نفسه نلحظ تلميع وتمجيد وتضخيم كل من ينتمي إلى "الموروث الزيدي" حتى لو كانوا أسوأ بألف مرة من نظرائهم، وممن كان لهم يد في تمكين الكهنوتية السلالية خلال العقود الأخيرة!. وعلاوة على ذلك، ها نحن اليوم نرى صُنع رموز قومية جديدة تابعة للمورث الزيدي هنا وهناك، وذلك عبر الأقلام المأجورة، ومشاهير شبكات التواصل، وبواسطة معامل الذُباب الإلكترونية التي أصبحت بالآلاف متدثرة تحت أسماء مستعارة بألقاب قبائل يمنية، ومتغطية تحت شعارات القومية اليمنية؛ وذلك بهدف السيطرة على "القومية اليمنية" وتجييرها لتشويه وزعزعة استقرار ما تبقى من قلاع الجمهورية المحررة في الشمال، والواقعة خارج سيطرة الموروث الزيدي بشقيه!.
ولو تفحصنا ودققنا على معظم القضايا والنزاعات والاضطرابات والإشكاليات التي يتم رفعها وتوظيفها في عملية التشويه الممنهجة للرموز الوطنية وللمناطق الخارجة عن سيطرة الموروث الزيدي، سوف نجد على أنها صراع زيدي-زيدي، وأن القائد الذي وجه بالأوامر ولم يفي بالتزاماته هو زيدي، والمنفذ لتلك الأوامر والمٌطالب باستحقاقاته هو زيدي، والمتصارعين على بقايا فتات تنفيذ عمليات جنائية قذرة هم زيود، ومسؤولي الأجهزة المتهمة بالخروج عن القانون وارتكاب الجرائم بحق المساجين والمعتقلين هم زيود، ومن يسرق رواتب الأبطال الأحرار وإكرامياتهم ويُتاجر بها هم ممن يحملون الموروث الزيدي؛ بينما المتضررين وضحايا كل ذلك هم اليمنيون!.
ومكمن قوة ومتانة "القومية اليمنية" أنها مدركة جيدًا وعلى دراية تامة بخطر الموروث "الزيدي السلالي"؛ ولكن في نفس الوقت مكمن الثغرة أن البعض لا يزال يتجاهل خطر موروث "الزيدية القبلية"، ويمكن كذلك التلاعب بها عبر تلك الثغرة!. ثم أن الموروث الزيدي بشقيه لديه نفس العمق والتشابك، ويستحوذا على وسائل القوة (المال والسلاح) من مقدرات الشعب، ويمتلكا نفس آليات النفوذ والترابط عبر الشبكات الداخلية والخارجية، ويمتدا أفقيًا على كافة طيف الأحزاب السياسية (أقصى اليمين واليمين والوسط واليسار وأقصى اليسار)، ويستندا رأسيًا بـ تراتبية اجتماعية متمثلة بـ أنت شيخي وأنا سيدك، وأنت رفيقي وأنا رفيقك، وأنت رئيس لي بجمهوريتك الزيدية وأنا سيدك بإمامة ولاية الفقيه الزيدية، والأهم لديهما أن يكون إحداهما على سدرة الحكم والآخر بموضع البطانة والجيش، وعادة ما يخرج من رحمهما ما يسمى بـ "التكتل الثالث" عند الشعور بأي تهديد لسحب البساط من تحتهما!.
ولا بد من إعادة التنبيه هنا، بأن كل عناصر الكهنوتية السلالية ذخيرة في مشروع "السلالية الزيدية" وصانعة قرار تاريخية لأي مشروع مرتبط بـ "الزيدية القبلية"؛ بينما العكفة من أبناء القبائل اليمنية تُعد قنابل موقوتة في جعبة مراكز نفوذ "القبلية الزيدية" وخاضعة لتنفيذ أجندة "السلالية الزيدية"، وكليهما رصاصة في خاصرة اليمن أرضا وإنسانا!.
ختامًا، ستعمل "القومية اليمنية" جاهدتًا على إسقاط جناحي شر الموروث الزيدي بشقيه، ولن تقبل بأن يحكم أرضها ويتحكم بثروتها أي موروث مرتبط بالولاية أو الخلافة أو الزيدية بمختلف مسمياتها وتفرعاتها وتقسيماتها، بما في ذلك "الجمهورية الزيدية"!. كما تدرك "القومية اليمنية" إدراكًا تامًا بأنه لا يمكن إزالة الجرثومة السرطانية المرتبطة بـ "الموروث الزيدي" بواسطة أداة مُسرطنة (إي باستخدام أحد أجنحة شر الموروث الزيدي)!.