يعود الحوثي ليظهر ثانية بعد حالة كمون عقب الإتفاق مع واشنطن ،بشأن عدم استهداف السفن الأمريكية مقابل كف الطائرات أذاها عن بنيته العسكرية والتحتية.
هذه المرة يعود الحوثي بقوة لافتة إلى مسرح الأحداث ، وبأداء نوعي لم يكتف من خلاله بتسجيل الحضور المسلح الشكلي في البحر، بل بتدمير وإغراق السفن ، وإستخدام التوثيق كرسالة موجهة إلى أكثر من طرف ، بما في ذلك الداخل الذي يراكم معارضته لنهج وعجز سلطة الحوثي.
إغراق السفينة بقصف ثلاثي: بقصف صارخي ومسير عن بعد، وبالقوارب المفخخة ، وبالقوة البشرية ،هو إنعطافة في مسرح الصراع ، يعيد تصدير الحوثي كلاعب مافوق محلي ، غرفة عملياته ورسائله السياسية، هي المفاوضات الإيرانية الإمريكية المرتقبة ، ومحاولة تحسين وضع طهران التفاوضي ،ومنحها بعض القوة بالتأكيد أنها مازالت تمتلك القدرة على إقلاق الوضع الإقليمي ، عبر أخطر أذرعها حوثي اليمن، بموقعه الجيوسياسي المطل على الممرات البحرية الدولية.
عمليتان بهذا المستوى من التعقيد ماكان لهما أن تتما، لولا العمل الإستخباري الإيراني والضخ المعلوماتي ، والشراكة المباشرة في تنفيذ إغراق السفن، عمليتان تجيران نتائجهما لصالح الإيراني ، بتسجيل نقطة في طاولة المطالب الأمريكية المتصلبة ،حول تصفية مشروعها النووي على قاعدة صفر تخصيب ، وبالتالي تحريك الورقة الحوثية في هذا التوقيت ،ربما يعيد تقييم حجم الأضرار لمثل هذه الأدوات، ويدفع نحو مقاربة جديدة تمضي بخطى متزامنة، بين تدمير الأذراع والتفاوض في ذات الوقت ومعاً.
عملية الإغراق ستعيد طرح القوة الإقليمية العربية مجدداً ،لتأمين الممرات المائية عسكرياً بمعية القوى الدولية، وهنا تبرز مصر كقوة رائدة تتحفظ عن الفعل المنفرد، ولكنها لا تعارض شراكتها ضمن مجموعة دول المنطقة.
إسرائيل هي الأُخرى تتوثب لعمل غير تقليدي، تحمي نفسها من حرب استنزاف طويلة مع الحوثي ، وتحتوي الخطر القادم من اليمن ،بعمل يخرج الحوثي كلياً كحال حزب الله من معادلة المواجهة، وتحويلة لمجرد ظاهرة صوتية ،أو في أحسن الأحوال مليشيا محلية معزولة عن محيطها الإقليمي ومنشغلة بذاتها.