في زمن العبث والفوضى والانقسام، حيث تتهاوى القيم وتُغتال المبادئ، تتسع دائرة العمالة والارتزاق، ويتنافس العملاء والمرتزقة على السيطرة على المشهد اليمني والمتاجرة بالقضية الوطنية. هؤلاء الخونة لا يسعون لبناء وطن ولا لحماية شعب، بل يتقمصون دور المنقذين، يرفعون شعارات الإصلاح والحرص على مصلحة الوطن، بينما في حقيقة الأمر لا يمثلون سوى أدوات بيد أسيادهم الخارجيين، يُنفّذون أجندات مشبوهة تُغرق اليمن في مزيد من المعاناة والتبعية.
لقد بات من المألوف أن نرى العملاء والمرتزقة يتسابقون في إنشاء التكتلات والمكونات والائتلافات تحت لافتات وطنية، ويزعمون أن أهدافهم وطنية وإنقاذية وإنسانية. لكن الواقع يكشف زيف ادعاءاتهم، فهذه المكونات ليست سوى واجهات تخريبية تُدار من الخارج وتهدف إلى تمزيق النسيج الوطني، وعرقلة أي مسار جاد لاستعادة الدولة ومؤسساتها الجمهورية، وهم ليسوا سوى أدوات تخريبة تعمل لحساب اطراف خارجية، مقابل حفنة من الأموال المدنسة التي يتقاضونها من هذه الجهات التي لا ترى في اليمن سوى ساحة لتصفية الحسابات وتحقيق مصالحها الخاصة.
إن العمالة والارتزاق لا يتركان خلفهما سوى الخراب والدمار والانقسام، ومن أهم آثارهما الكارثية إضعاف مؤسسات الدولة وتمزيق بنيتها لصالح مشاريع خارجية، وتعميق الانقسام المجتمعي والسياسي مما يسهم في استمرار الحروب والصراعات، وتشويه الوعي العام من خلال تضليل المواطنين بمفاهيم مغلوطة وشعارات خادعة، وإفقار البلاد وتدهور الاقتصاد نتيجة تعطيل الإنتاج وتبعية القرار السياسي للخارج، وفقدان الثقة في أي مبادرات وطنية بسبب اختراقها من قبل المرتزقة والعملاء.
ولذلك فإن إرتهان هؤلاء المرتزقة للخارج، وتنفيذهم للأجندة المعادية، وتحويلهم للقضية الوطنية إلى سلعة تجارية، وتلقيهم للأموال المدنسة من قبل أطراف خارجية، يُعد خيانة للوطن، وتفريطاً لسيادة أراضية، وإهداراً لكرامة الشعب، وغدراً للامانة، ومتاجرةً بالشعب في أسواق السياسة القذرة.
كما أن كل من يؤيد العملاء والمرتزقة، أو يدعمهم أو يروّج لعمالتهم، أو يبرر لها، أو يحاول تجميل صورتها، يُعد خائناً للوطن. التواطؤ مع قوى خارجية، تحت أي ذريعة كانت، هو طعن للهوية الوطنية، وخيانة لدماء مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمظلومين الذين دفعوا حياتهم ثمناً للحرية والسيادة والاستقلال. والتاريخ لن يرحم كل من سلك طريق العمالة والارتزاق، وكل من تؤاطأ معهم أو ساندهم أو سهل لخيانتهم أو سوق لعمالتهم. فجميعهم اعداء الوطن والشعب.
إن اتساع دائرة العمالة والارتزاق في اليمن يُعد خنجر في خاصرة الوطن. اليمن في هذه المرحلة المفصلية التي يمر بها يحتاج إلى قيادة نزيهة تملك الشجاعة لرفض الإملاءات، وتعمل على بناء اليمن الحر الكريم.
يحتاج إلى إرادة وطنية خالصة تنبثق من عمق الشعب وتُعلي مصلحة اليمن فوق كل اعتبار.
يحتاج إلى مشروع وطني جامع يستند إلى سيادة القانون، واستعادة مؤسسات الدولة.
يحتاج إلى وعي شعبي متماسك يرفض العمالة والتبعية ويكشف الأقنعة الزائفة.
يحتاج إلى مصالحة وطنية حقيقية تبنى على أسس العدالة والكرامة والمواطنة المتساوية.
إن خطر العمالة والارتزاق لا يقل فتكاً عن الرصاص، بل هو أشد منها، لأنه ينخر الوطن من الداخل. وما لم يتم التصدي لهذه الظاهرة بكل وعي وصدق، فإن مستقبل اليمن سيظل رهينة للمتآمرين والسماسرة. وعلى كل حر وشريف أن يرفع صوته عالياً لا للعمالة، لا للارتزاق، نعم لوطن مستقل،حر، آمن، يجمع أبناءه تحت راية واحدة.