في مدينة تعز، حيث تحاصر العطش منازل الناس كما تحاصرهم الحرب، وحيث تتبخر الوعود كما تبخرت آبار المياه الجوفية، تظل أزمة المياه أحد أعمق جراح المدينة. عقود من المعاناة لم تُفضِ إلا إلى مزيدٍ من الظمأ، في ظل تراجع الحلول الرسمية، وتقاذف المسؤوليات بين الحكومات المتعاقبة.
لكن وسط هذه العتمة، يبرز استثناء لافت، اسمٌ لم يُذكر في سياق الأزمة إلا مقرونًا بالجهد الحقيقي، والرؤية المتكاملة، إنه القاضي أحمد عبد الله الحجري، المحافظ الإنسان، الذي قدّم لتعز في سنوات إدارته ما لم يقدمه من سبقوه أو من أتوا بعده.
رؤية استراتيجية... لا وعود خاوية
منذ تولّيه منصب محافظ تعز، أدرك القاضي الحجري أن أزمة المياه لا تُحل بمسكنات مؤقتة، بل تحتاج إلى خطة شاملة تُعالج جذور المشكلة. وكانت أولى خطواته الواقعية ضخ المياه من محافظة إب إلى تعز، كحل إسعافي سريع خفف من المعاناة مؤقتًا.
لكن الرؤية كانت أبعد من ذلك. فبموجب توجيهاته،رفع لفخامة الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح و سرعان ما جاءت الموافقة فتم تنفيذ مشروع استبدال شبكة مياه الشرب المتهالكة بتكلفة بلغت ملياراً و923 مليون ريال، كما شملت الخطة مشاريع توسعة شبكة الصرف الصحي في الجهة الشرقية من المدينة، بتمويل مشترك من هيئة التنمية الدولية والحكومة اليمنية، بتكلفة إجمالية تجاوزت 6.5 مليار ريال.
شملت الأعمال توريد وتمديد 32 كم من الأنابيب الرئيسية و42 كم من التوصيلات المنزلية، إضافة إلى إعادة تأهيل محطة المعالجة في البريهي، وتركيب شبكة صرف متكاملة غطت أحياء واسعة من الحوبان، من حبيل الضبي إلى المخبز الآلي.
مشروع التحلية... الحلم الذي وئدته السياسة
وسط هذه الجهود المتعددة، برز المشروع الأكثر طموحًا: تحلية مياه البحر ونقلها إلى تعز. المشروع الذي حمل توقيع القاضي الحجري كان مبنيًا على دراسات جدوى واضحة، وبشراكة مع شركة ماليزية، وبتمويل ياباني. بل إن العمل بدأ فعليًا على الأرض، من خلال حفر مسارات أنابيب النقل من سواحل المخا باتجاه تعز.
وعلى الصعيد السياسي، حقق الحجري اختراقًا مهمًا، حين انتزع وعدًا صريحًا من ولي العهد السعودي آنذاك الأمير المرحوم سلطان بن عبد العزيز بتمويل المشروع كاملًا، وهو وعدٌ أكّده أبناؤه لاحقًا بعد وفاته، حين زارهم الحجري شخصيًا لتأمين استمرارية الدعم.
لكن مع اندلاع أحداث فبراير 2011، توقف كل شيء. دخلت البلاد في دوامة الفوضى، وتم إيقاف المشروع في مهده. والأدهى أن المشروع اصطدم برفض وعراقيل مفتعلة من بعض مكونات "اللقاء المشترك"، التي استخدمت نفوذها السياسي لتعطيل العمل، في مشهد مثّل خيانة علنية لطموحات أبناء تعز.
وتحدثت مصادر عن مصالح استثمارية خفية – بعضها من داخل تعز نفسها – سعت لإفشال المشروع، خشية من تقويض شبكات البيع الخاصة بالمياه، التي ازدهرت على حساب معاناة المواطنين.
إرث لم يكتمل... لكن أثره باقٍ
صحيح أن مشروع التحلية لم يكتمل، لكن القاضي الحجري لم يترك تعز خاوية الوفاض. فقد شهدت فترة ولايته أيضًا توسعة شبكة الكهرباء، وفتح مداخل المحافظة، وتنفيذ خطوط دائرية استراتيجية لربط الأحياء والمناطق. وما زالت تلك المشاريع تُنفّذ إلى اليوم بإشراف شكلي من سلطات لاحقة، لم تضف إلى جوهرها سوى التوقيع على ما خُطط له مسبقًا.
ختامًا...
لن يسعف الحبر وحده لتوثيق ما قدّمه القاضي أحمد عبد الله الحجري لتعز. رجل لم يكتفِ برؤية المأساة، بل حاول أن يصنع منها أملًا، وسار في طريق معبّدٍ بالعراقيل متحديًا السياسة والفساد واللامبالاة. وفي الوقت الذي ظلّت فيه أفواه كثيرة تكتفي بالتصريحات، كان هو ينفّذ، ويقنع، ويُموّل، ويبني.
فشل مشروع التحلية لم يكن فشلاً لرؤية رجل، بل سقوطًا أخلاقيًا لمن وقفوا ضد مشروع حياة. واليوم، في ظل اشتداد الأزمة وتفاقم معاناة السكان، لا يزال اسم القاضي الحجري يُذكر في تعز، لا بوصفه مسؤولًا، بل كرمزٍ لرؤية افتقدتها المدينة منذ رحيله وامام المحافظ الحالي احياء وعد الامير سلطان او التمويل الياباني والدراسات جاهزة و مكتملة.