أغلب الناس عند السلطة يصيرون أشرار، أفلاطون...
في اليمن، يتم تدوير الحكومات بنفس الطريقة التي تدور فيها الصين النفايات، مع جدوى التدوير الصيني الذي يجلب نفعًا اقتصاديًا مهولًا. الحكومات المتعاقبة ليس لها مع الشعب تعاقد أو رضا ضمني في أقل الأحوال، فهي تأتي وتذهب وفق توافقات الأقلية العسكرية المتغلبة تحت مسمى "مكونات الشرعية"، والتي تعمل كدولة ظل، بالإضافة إلى رضا الإقليم.
واقع الدولة الهشة اليوم لا يتيح لها اتخاذ قرار مصيري في أي اتجاه، عسكريًا أو حتى اقتصاديًا. ناهيك من ادعاء مكافحة الفساد، وظيفة أي رئيس حكومة هي إدارة الامتيازات الممنوحة لهذه المكونات بعناية فائقة. ولذلك تظهر الشرعية والدولة والجيش أمام العالم مكشوفة، هشة، غير جديرة بالثقة، في مقابل مليشيات أيديولوجية في شمال الشمال تحكم بالحديد والنار ولها قرار مسنود إيرانيًا.
ولذا فإن عجز الحكومات ناتج عن خلل بنيوي شامل. ولعل هذا الأمر ابتدأ منذ مؤتمر الحوار الوطني وتطور التآكل حتى استفحل. ومع تعليق الدستور عمليًا، تكرس عقد غير مكتوب واقعيًا بين التحالف العربي والمكونات التي تشارك في الشرعية شمالًا وجنوبًا، في ظل سخط شعبي واسع على الشرعية. لكن هذا السخط لا يعبر عنه عمليًا، باعتبار أن الشرعية هي الورقة الأخيرة مما تبقى من كيان الدولة، وإن كانت لوحة إعلان أكثر منها شيء آخر، لكنها لوحة تعريف مهمة أمام العالم الذي يعترف بها.
حاول التحالف استدراك ما يمكن استدراكه، فكان مجلس القيادة، وقام بإنشاء هيئة تشاور رغم وجود مجلس نواب وشورى معطلين عن العمل. وهذا زاد الطين بلة وعمل على تضخم الجسد المصاب بالغرغرينا السياسية. ولم تضف هذه الخطوة شيئًا سوى توسيع شبكة المصالح والغنائم.
معظم القيادات الحالية ولدت من رحم الحرب دون خبرة سياسية أو إدارية. ووفقًا لذلك كله، يبرز السؤال الأهم: هل يمكن لمثل هذا البناء الهش للدولة أن يستطيع التحرير أو البناء؟ ولو مرحليًا؟ ثم يأتي السؤال الثاني: أين هي النخب والمثقفون والفاعلون من خارج الدائرة المغلقة؟
وهل هناك إمكانية للتغيير وماهي شروطه وامكاناته ، هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الحلقة الثانية.