إرتباك
هزيمة بطعم الإنتصار هكذا يريدونها ، الإطاحة بثمرة جهود عقود من السنين في بناء مصانع إنتاج الصواريخ ومنشآت الوقود الصلب، يتم سحقها بغارات ثلاث ، ومع ذلك على قاعدة التلاعب بالحقائق وخلط أوراق وعي الحواضن ، يتم تقديم الغارات الإسرائيلية من جهة المرشد على هيئة نصف إنتصار نصف هزيمة ، بقوله يجب عدم تضخيم العدوان الإسرائيلي ويجب عدم التقليل منه ، في ما #ذهب رئيس مجلس الشورى بشطحات بدايات الثورة الإيرانية، وحمامات الدم التي تأسست مداميكها عليها، بالقول هزمنا إسرائيل شر هزيمة وهي الآن تلعق جراحها وأرجعناها لسبعين عام إلى الوراء.
من جهته الحرس الثوري يتحدث عن صفر خسائر ،ويسوق عنترياته نحو داخله وفي محيط وكلائه، بخسارة مجموعة رادارات بسيطة واربعة جنود بمئة طائرة شيء لايُذكر ، ولتوصيل رسائل الوهم تلك أصدر الحرس ملصقات أحدهم صورة للمرشد وهو يحمل بيده ثلاثة صواريخ في إشارة رمزية للرد الثالث ، وملصق آخر يحمل عنوان الوعد الصادق ثلاثة، وكأننا أمام حالة مازوخية تستعذب جلد نفسها ، تدعو إسرائيل إلى الإمعان في تدمير مقدراتها ونكء الجراح.
صمتت المسيرات ونامت في مخادعها صواريخ الوكلاء ، إهتزت الثقة بعرين الأسد ، وتحولت الحسابات من الموقف الكلي ووحدة الساحات ، إلى كلٍ يدبر قراراتها حسب درجة الرعب الذي يسكنه ، فالحوثي أصيب بالذعر بعد قصف إسرائيل الحديدة ١ ومن ثم الحديدة ٢ ، وبعدهما قاذفة القنابل الإستراتيجية U2 ، وتدشين مواسم قطاف الرؤوس في لبنان وسورية هو الآخر عمق مشاعر الإضطراب، ووسع دوائر الشكوك المتبادلة بين قيادات الصف الحوثي الأول ، وأنتقلت دوائر الحماية من ثقاة العقيدة إلى قرابة الدم.
خامنئي ترك الباب موارباً للفلفلة ماتناثر من عجز دولته عن حماية نفسها، ناهيك عن الأتباع ،وهو في قرارة وعيه وحساب قدراته أعجز من أن يغامر برد يعقبه رد إسرائيلي كاسح ، وعليه إستخدم كلمة عرفات الشهيرة (لعم) أي لا ونعم ، والحقيقة أن يافطة مطبخ القرار: إلى هنا وكفى ، في ما تل أبيب أجلت بقية الأهداف ولاسيما النووي، إلى مابعد الإنتخابات الإمريكية بعد إسبوع بإنتظار ترامب الذي سبق وإن أعرب عن دهشته وخيبة أمله تجاه عدم ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
نحن أمام وكلاء يتخبطون بخيباتهم ومخاوفهم بعد إنكشاف ضعف إيران ، وتجفيف موارد الدعم المحتمل وغياب الرأس المركزي القائد الموجه ، وأخيراً تسريب هواجس إن الحديدة على موعد مع التحرير ، وإن الهروب نحو مأرب والمناطق المحررة ، لن يعطل قرار الإفتكاك من الحوثي، سلطة وإرث متخلف وثقافة.
---------------------------------
الجميع يدين الجميع سعداء.
هذا هو حال الدول العربية مجتمعة، أصدروا بيانات الشجب والإستنكار القريبة دوماً لقلوبهم ،وقفوا مع إيران وصبوا بنفاق سياسي عربي معهود ، جام غضبهم ولعناتهم على إسرائيل، ولسان حالهم يقول كنا ننتظر المزيد من الإيغال في جرح إيران المفتوح، أمام عمليات حربية إسرائيلية لم تستبح الأجواء الإيرانية، بل ومعها أدمت الكرامة جرفت الكبرياء، وقدمت طهران لبيئتها ووكلائها كنمر عجوز منزوع الأنياب والمخالب ، لم يبقَ له مايقدمه سوى جعجعة كلام ،بلا فعل وبلا قدرة على إستعادة زمام المبادرة ،والحفاظ على كرسيه الإقليمي بين قوى المنطقة .
ضربت إسرائيل بقسوة محسوبة جيداً، إختارت أهدافاً نوعية حافظت على أمرين: التدمير وعدم الإنزلاق إلى حرب شاملة، وفي الإثنين أخذت علامة إمتياز.
لم يعد لدى طهران بنية لصناعة الصواريخ الباليستية، بعد أن أذرت إسرائيل معظم مصانعها للريح ،وأطعمتها للقذائف الخارقة ، ومضت فوق الصفقة المتفق عليها مع واشنطن ، لتجتاح في طريقها منشأة نووية لإنتاج الوقود الصلب ، في ما إيران تبحث عن لملمة جراحها، ومحاولتها اليائسة للحفاظ على معنويات داخلها وأنصارها ، حيث باتت تسح وتلحف التراب.
إيران تسِّوق لنا الفكاهة السوداء ،تعلن أن دفاعاتها الأرضية و الجوية نجحت في إفشال الهجوم الإسرائيلي ، ولم تسقط من المئة طائرة ، طائرة واحدة ، فشل الهجوم في غرفة المذيع ووكالة تسنيم وفارس ، وعلى الأرض هناك بصمة إسرائيلية بين كل جزيئات حطام المصانع ومُزق الصواريخ المدمرة.
سيرمي هذا الإجتياح الإسرائيلي المدروس ،بظلاله على واقع القدرة التسليحية لطهران، التي لم يعد لديها مخزوناً صاروخياً لمد الأذرع التابعة لها بالقوة ، في وقت سيرتفع سقف الهجوم الممنهج على مخازن أسلحة وكلائها في المنطقة.
إيران تدعي كعادتها بحق الرد ،وكل المؤشرات تذهب للإستنتاج أن الهجمات الإسرائيلية مقبولة إيرانياً ، وإن لا رد يلوح في الأفق.
مرة أخرى إدانة عربية لإسرائيل ومباركة لها من تحت الطاولة ، وحسابات الجميع تتجه بالضربات التالية، لمسميات تدين بالولاء لإيران وتناصب دول المنطقة العداء ، وعلى رأس وجبة الإفطار التالية حوثي مكسور الظهر ،بلا غطاء تسليحي يعوضه الفاقد ، أو يحمي فاكهة سيطراته ميناء الحديدة ، المدرج في جدول الأعمال الهدف التالي ،بعد ترتيب بيت القوى المسلحة والمكونات العسكرية الداخلية، بتوافقات تستثمر في ضعف الحوثي وحاضنته الأم إيران ،والإجماع على إزاحته خارج المعادلة .