آخر تحديث :الثلاثاء-30 ديسمبر 2025-01:01ص
اخبار وتقارير

فضيحة في تعز.. كهرباء السوق السوداء تحصد الأرواح وتعمّق معاناة المواطنين وسط صمت رسمي

فضيحة في تعز.. كهرباء السوق السوداء تحصد الأرواح وتعمّق معاناة المواطنين وسط صمت رسمي
الإثنين - 29 ديسمبر 2025 - 11:44 م بتوقيت عدن
- تعز - نافذة اليمن - محرم الحاج

تشهد مدينة تعز تفشي واسع لتجارة غير قانونية في قطاع الكهرباء، حوّلت واحدة من أهم الخدمات الأساسية إلى سوق سوداء مربحة يديرها عدد من التجار، في ظل اتهامات بتواطؤ بعض المسؤولين، وتجاهل رسمي متواصل لمعاناة المواطنين.

وأفاد مواطنون، في لقاءات صحفية أُجريت معهم اليوم الاثنين، أن استمرار الارتفاع المتصاعد في فواتير الكهرباء بات يُثقل كاهل الأسر، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. وطالبوا الجهات المعنية بفتح تحقيق شفاف في آليات احتساب الفواتير، ومراجعة الأداء العام لفرع مؤسسة كهرباء تعز، بما يضمن عدالة التكاليف وعدم تحميل المواطنين أعباء إضافية غير مبررة.

وتثار في المدينة اتهامات بشأن تأجير محطات التوليد الحكومية لمستثمرين من القطاع الخاص، بهدف إنهاك المواطنين ودفعهم قسرًا نحو قبول الكهرباء التجارية، وهي اتهامات تنفيها الجهات المعنية، مؤكدة أن ما يجري يتم في إطار شراكات رسمية مع القطاع الخاص.

وفي ظل هذا الواقع، تعرّضت أسلاك الشبكة الكهربائية والمحولات لعمليات سرقة متكررة، فيما تُركت أعمال الصيانة والإصلاح على عاتق مستثمرين في قطاع الكهرباء، الأمر الذي أدى إلى تدلّي أسلاك كهربائية تجارية مكشوفة في الأحياء والأسواق، لتتحول إلى مصدر رعب يومي يهدد حياة السكان، الذين يدفعون الثمن من أرواحهم وممتلكاتهم.

ويقول المواطن رائد عبدالحكيم الشرعبي (37 عامًا): “صرنا نخاف على أطفالنا من الخروج أوقات الأمطار والاقتراب من أعمدة الكهرباء”، مضيفًا: “قبل أشهر توفي طفل في الحارة بسبب سلك ضغط عالٍ تجاري مكشوف، لم يكن مغطى أو عليه أي شريط تنبيه”.

وفي سوق حي الباب الكبير، توفي الشاب فواز سعيد الشرعبي (44 عامًا) منتصف يونيو الماضي، بعدما لامس سلكًا كهربائيًا مكشوفًا أثناء محاولته المرور في زقاق ضيق تعجّ به التمديدات العشوائية. سقط فواز صريعًا دون أن يتم إسعافه، ولم يُفتح أي تحقيق في الحادثة، ولم تُحاسب أي جهة.

ويقول شقيقه فؤاد: “قدمنا شكوى لكنها قوبلت بالتجاهل، ولم يلتفت إلينا أحد. لا توجد جهات تراقب أو تحاسب. الناس تموت كل يوم، وملّاك المولدات يريدون أموالهم فقط، والدولة مشغولة بأشياء أخرى”.

وفي حادثة مماثلة بحي المسبح، فقد الشاب العشريني مؤيد العبيدي حياته في 18 مايو الماضي، إثر صعقة كهربائية من سلك مكشوف، أثناء قيامه بجلب أغراض من مخزن خلفي للبقالة التي يعمل فيها، بالتزامن مع هطول الأمطار، حيث كان السلك الممتد بين الجدران غير معزول.

ويروي مالك البقالة تفاصيل الحادثة قائلًا: “يعمل مؤيد في محلي منذ شهور. خرج في ذلك اليوم إلى المخزن الخلفي ليأخذ بعض الأغراض، وبعد دقائق وجدناه مرميًا لا يتحرك بعدما لمس سلكًا مكشوفًا تعرض للبلل ويمر بين الجدران دون أن ينتبه له”.

ويضيف: “نقلناه إلى المستشفى لكنه وصل وقد فارق الحياة. لم يتدخل أي كهربائي لإصلاح التمديدات، ولم تسأل الجهة المسؤولة ملّاك المولد. كان مؤيد يعرف أن طريقه إلى المخزن فيه سلك مميت. اليوم هو مات، وغدًا من سيموت؟”.

ولا تتوفر حتى اللحظة إحصائيات رسمية دقيقة عن عدد ضحايا الصعق الكهربائي في تعز، غير أن مصادر طبية أكدت تسجيل حالات متكررة بشكل أسبوعي، لا سيما خلال موسم الأمطار، مشيرة إلى أن كثيرًا من الإصابات تنتهي بالوفاة أو بعاهات دائمة.

وقال طبيب في مستشفى الثورة العام، طلب عدم الكشف عن هويته: “خلال موسم الأمطار نستقبل أسبوعيًا إصابات بسبب الصعق الكهربائي، ومعظمها ناتج عن تمديدات تجارية مخالفة أو أسلاك مرتخية، والأخطر أنها تمر في طرق الناس دون حواجز أو أي وسائل تنبيه”.

وأضاف: “تتفاقم المشكلة مع غياب التنسيق بين السلطات المحلية وملّاك المولدات، إلى جانب ضعف الرقابة الرسمية وانعدام برامج التوعية المجتمعية”.

وتبقى المعضلة الأساسية، وفق مراقبين، في غياب جهة تتحمل المسؤولية بشكل واضح.

ويشير نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن كل شيء في مدينة تعز يُدار بعشوائية، حيث يشتري المواطنون الكهرباء من أقرب مولد دون أي اعتبار لكيفية تمديد الأسلاك أو مدى سلامتها، مؤكدين أن هذه الفوضى ليست قدرًا، بل نتيجة مباشرة لغياب دور المؤسسة العامة للكهرباء، وغياب الخطط لتنظيم هذا القطاع، ومنح تراخيص دون رقابة، وتشغيل مولدات دون تصاريح، حتى تحولت الكهرباء إلى سبب مباشر للموت.

ومع تزايد الحوادث المأساوية المرتبطة بالكهرباء التجارية، تتعالى أصوات المواطنين المطالبة بحماية الأرواح والممتلكات، في ظل غياب الدولة وانعدام أي رقابة أو تنظيم.

ويقول المواطن أسامة عبدالله: “ناشدنا الجهات الرسمية مرارًا وتكرارًا دون جدوى. الكهرباء التجارية اليوم أصبحت خطرًا علينا أكثر من كونها منفعة، وتقتلنا تحت صمت الدولة”.

ويضيف: “شاهدنا وسمعنا وقرأنا عن عشرات حالات الوفاة بسبب الماس الكهربائي. فقد كثير من سكان تعز أرواحهم بسبب الكهرباء التجارية”.

ويتابع: “لا نطلب الكثير، فقط نريد أن نعيش بأمان، لا أن نشتري الكهرباء ونشتري الموت معها. نطالب بتحرك عاجل، وبإجراءات قانونية ومعايير سلامة مهنية بحق مالكي محطات الكهرباء التجارية”.

وفي ظل استمرار غياب الحل الرسمي، يواصل مواطنو تعز دفع فاتورة قاتلة، لا تقتصر على الكهرباء وحدها، بل تمتد إلى أرواح تُزهق، وحزن يتراكم في ذاكرة المدينة أسبوعًا بعد آخر.