على الرغم من تجديد مجلس الأمن الدولي عقوباته على مليشيا الحوثي في محاولة لاحتواء تهديداتها المتصاعدة، تكشف الوقائع المتلاحقة أن هذه الضغوط لم تُحدث التحوّل المأمول، إذ تمضي الجماعة المتحالفة مع إيران في إعادة إنتاج نفسها كخطرٍ أكثر تعقيداً واتساعاً، مع تطوير قدراتها العسكرية وتوسيع نطاق عملياتها، خصوصاً في الممرات البحرية الحيوية.
وكان مجلس الأمن قد جدّد منتصف الشهر الماضي منظومة العقوبات المفروضة على الحوثيين، بما فيها حظر السلاح الساري منذ أكثر من عقد، مع تمديد ولاية فريق الخبراء المعنيّ بمراقبة التنفيذ حتى ديسمبر المقبل، على خلفية استمرار الهجمات على الشحن التجاري وتهديد الملاحة الدولية ودول الإقليم والأمن والسلم الإقليميين. غير أن القرار، وإن عكس إدانة أممية متجددة، لم يوقف مسار التصعيد، بل دفع الجماعة إلى نقل كلفة العزلة إلى ساحات أخرى من الفعل المزعزع للاستقرار.
وفي هذا السياق، تشير دراسة حديثة صادرة عن مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية إلى أن التهديد الحوثي في البحر الأحمر بات خلال العام الجاري أكثر خطورة وتعقيداً مقارنة ببدايات أزمة الممر المائي، حتى مع تراجع وتيرة الهجمات الظاهرة. وتوضح الدراسة أن الانخفاض لا يعني تراجع القدرات، بل تحوّلاً تكتيكياً نحو أساليب أشد تأثيراً بعد تراكم الخبرات وتطوير منظومات التسليح.
وتُظهر التقديرات أن الجماعة تمتلك اليوم ترسانة متقدمة تشمل صواريخ باليستية مضادة للسفن، وقوارب مسيّرة انتحارية، وطائرات دون طيار، إلى جانب توسّع جغرافي لعملياتها من شمال البحر الأحمر وبحر العرب وصولاً إلى محيط أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وفق تقديرات أميركية استندت إليها الدراسة.
وتحذّر الدراسة من احتمالية امتداد التهديد إلى مناطق أبعد، بما فيها البحر الأبيض المتوسط، في قفزة نوعية مقارنة بقدرات الجماعة قبل عامين. ويضع هذا التحول دول المنطقة أمام تحديات مباشرة، في ظل هشاشة التنسيق الأمني الإقليمي وغياب استراتيجية شاملة لأمن البحر الأحمر، بينما مكّن استمرار حالة «اللاسلم واللاحرب» في اليمن الحوثيين من فرض قواعد اشتباك جديدة وتعزيز تفوقهم النوعي.
ويرى الأكاديمي والباحث السياسي علي الخولاني أن تراخي المجتمع الدولي سمح للجماعة بالتوغّل حتى باتت تهديداً حقيقياً للملاحة الدولية ودول الجوار، محذراً من أن الاستمرار في رفع شعار الحوار السياسي معها يفتح الباب أمام تفكيك اليمن إلى كانتونات ميليشياوية.
ويؤكد الخولاني أن القرارات الأممية لم تُقدّم إجراءات رادعة بقدر ما وسّعت نطاق المراقبة، معبّرةً عن توازنات ونفوذ الدول دائمة العضوية.
وتزداد المخاوف مع تقارير خبراء أمميين عن تعاون الحوثيين مع تنظيمات إرهابية، مثل القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب الصومالية، ما حوّل الجماعة إلى موردٍ رئيسي للسلاح ورافدٍ لتمويل عملياتها، وفق الدراسة الدولية.
من جهته، يرى الباحث القانوني ووكيل وزارة العدل اليمنية فيصل المجيدي أن تجديد العقوبات تثبيت قانوني لوضع الحوثيين كتهديد للأمن والسلم الدوليين، لا طرفاً محلياً في نزاع داخلي، مرجّحاً انتقالاً من إدارة العقوبات إلى تفعيلها عملياً عبر ملاحقة شبكات التمويل والتهريب وتشديد الخناق الدبلوماسي والاقتصادي. ودعا إلى تحويل العقوبات إلى رافعة سياسية داعمة لموقف الحكومة الشرعية، بما يمنع مكافأة الجماعة سياسياً مع استمرار خروقها.
بدوره، يعتبر الباحث السياسي فارس البيل أن تمديد العقوبات يعمّق عزلة الحوثيين ويقيّد حركتهم السياسية، لكنه يحذّر من انعكاساتها غير المباشرة على الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرتهم، مؤكداً أن فاعليتها تظل محدودة ما لم تُدمج بضغوط سياسية وتمويلية وعسكرية صارمة، وبمقاربة دولية تتعامل مع الجماعة كتنظيم متطرف يهدد اليمن والإقليم والأمن الدولي.
وبينما تستثمر المليشيا العقوبات دعائياً لتبرير القمع والتجنيد وتشديد الجبايات، يتفق خبراء اقتصاد الحرب على أن العقوبات وحدها لن تُضعف اقتصاد الحوثيين إلا بقدر محدود، ما لم تُقرن بإستراتيجية إقليمية ودولية حازمة.
ومع ذلك، بات واضحاً أن الحوثيين يتعاملون مع العزلة لا كإنذارٍ للتراجع، بل كعبءٍ يُحمَّل للسكان، فيما تتصاعد المخاطر على أحد أهم الممرات المائية في العالم.