في ارتدادٍ سياسي وإعلامي مدوي، انقلبت محاولة مليشيا الحوثي لتشويه المواقف الوطنية الثابتة للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح من القضية الفلسطينية إلى نتيجة عكسية تمامًا، بعدما تحوّل التسريب الذي بثّته قناة قناة المسيرة التابعة للمتمردين إلى مادة إشادة واسعة، لا سيما في الأوساط الفلسطينية.
الفيلم الذي سعت المليشيا من خلاله إلى النيل من صورة صالح، كاشفًا مكالمة هاتفية مع خالد مشعل تعود إلى عام 2008، لم يُقرأ كما أرادته المليشيا، بل أعاد تقديم صالح بصورة القائد المسؤول والأب الناصح، الحريص على حماية المدنيين الفلسطينيين وقطع الذرائع التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لشن الغارات وارتكاب المجازر.
وأظهر مضمون التسريب وضوح موقف صالح الداعي إلى وقف إطلاق الصواريخ غير المؤثرة عسكريًا، لما تسببه من كوارث إنسانية بحق الفلسطينيين، وهو ما اعتبره متابعون موقفًا سياسيًا وأخلاقيًا متقدمًا، يضع حياة المدنيين فوق الحسابات الدعائية والمكاسب الآنية.
وفي تعليق لافت، قال الصحفي ماجد الداعري إن الحوثيين أرادوا من التسريب إدانة صالح، غير أن المضمون أثبت عكس ذلك تمامًا، مبرزًا حكمة الرجل وصدقه ووضوحه في النصح، بعيدًا عن أي مزايدات، مؤكدًا أن تلك الصواريخ لم تقتل إسرائيليًا واحدًا حينها، لكنها كانت ذريعة لغارات أوقعت عشرات الضحايا الفلسطينيين يوميًا.
من جهته، أكد الإعلامي حسين حنشي أن المليشيا أخطأت التقدير، مضيفًا أن التسريب غيّر نظرته إلى صالح، الذي بدا شجاعًا وحازمًا، وأكثر حرصًا على مصلحة الشعب الفلسطيني من بعض القيادات التي كانت تسعى لاستثمار الدم الفلسطيني سياسيًا، مشيرًا إلى أنه ظهر الأقوى والأكثر اتزانًا في تلك اللحظة.
بدوره، نشر الإعلامي علي جعبور صورًا ومنشورات توثق ردود فعل فلسطينية واسعة، أوضحت أن ما أريد له أن يكون إدانة تحوّل إلى إشادة، حيث اعتبر فلسطينيون أن صالح كان الأحرص على أرواحهم، في مقابل قيادات بدت غير مكترثة بحجم الخسائر الإنسانية.
أما الصحفي معتصم الجلال، فأشار إلى أن مواقف صالح الداعمة لفلسطين لم تكن طارئة أو سرية، بل رافقت فترة حكمه لليمن، في القمم العربية والدولية، وفي تحركاته السياسية، لافتًا إلى دعمه للسلطة الفلسطينية، وافتتاح سفارتها في صنعاء، ومساعيه المتكررة للمصالحة بين الفصائل، وتقديمه نصائح هدفت إلى تجنيب الفلسطينيين ويلات الحروب غير المتكافئة.
وفي السياق ذاته، قال الناشط الصحفي وائل البدري إن التفاعل الفلسطيني، لا سيما في غزة، كان لافتًا وإيجابيًا، حتى تصدّر مضمون المكالمة النقاش العام، معتبرين أن حديث صالح بدا وكأنه يستشرف كوارث لاحقة، محذرًا من صواريخ لا تحقق إنجازًا بقدر ما تمنح الاحتلال مبررات للقتل والتدمير.
كما كتب الكاتب نايف المشرع أن الأحداث أثبتت كلفة غياب مثل هذه النصائح، حيث دفع الفلسطينيون لاحقًا عشرات الآلاف من الأرواح، وتعرض القطاع لدمار هائل واحتلال واسع، دون مكاسب ملموسة، مقارنة بفترات سابقة كانت الخسائر فيها أقل بكثير حين غلّبت الحسابات الإنسانية على الشعارات.
وخلاصة المشهد، أن محاولة مليشيا الحوثي لتزييف التاريخ وتشويه موقف اليمن وزعيمه من القضية الفلسطينية ارتدت عليها، لتتحول إلى شهادة فلسطينية صريحة بحكمة صالح وحرصه على الدم الفلسطيني، في وقتٍ تتساقط فيه الأقنعة وتُعاد قراءة المواقف بميزان النتائج لا الشعارات.