كشف الباحث المتخصص في شؤون الآثار اليمنية عبدالله محسن عن واقعة جديدة تضاف إلى سلسلة استنزاف التراث اليمني، بعد إعلان دار المزادات العالمية Sotheby’s في نيويورك نيتها عرض لفيفة توراة يمنية نادرة تُعد من أقدم النسخ الكاملة التي وصلت إلى الأسواق الدولية في العصر الحديث.
وأوضح محسن أن هذه اللفيفة الاستثنائية خضعت لفحص الكربون المشع الذي أكد أن أقدم رقوقها كُتبت في الفترة ما بين 1425 و1450م، أي خلال سنوات أواخر الدولة الرسولية، ما يجعلها أقدم من النسخ الكاملة الموجودة في مؤسسات عالمية كمكتبة بريطانيا.
وبحسب وصف المزاد، تتكون اللفيفة من 76 رقًّا جلدياً مكتوباً بالعبرية بخط يمني مربع تميز به النسّاخ اليمنيون عبر قرون، وتضم 227 عموداً تحافظ على تسلسل وتقاليد الكتابة اليهودية اليمنية. ويشير وصف الخبراء لدى Sotheby’s إلى أنّ المخطوطة تمثل سجلاً فريداً لتطور الخط العبري اليمني، إذ تتجاور فيها الرقوق القديمة ذات الحروف المبكرة النادرة مع رقوق وسيطة وأخرى أضيفت في فترات ترميم لاحقة، ما يعكس تاريخاً طويلاً من الاستخدام الديني والاستمرارية الثقافية داخل المجتمع اليهودي اليمني.
وتحمل اللفيفة علامات مميزة من أبرزها وضع نقطة حبر تحت الكلمة الواقعة في منتصف كل آية، وهي سمة لا يُعرف وجودها إلا في عدد محدود جداً من المخطوطات اليمنية. وتؤكد دار المزاد أن ثلاث لفائف فقط حول العالم تحتفظ بهذا التقليد، إحداها هذه النسخة النادرة. كما تظهر في المخطوطة طريقة التنسيق الهندسي لآيات نشيد البحر ونشيد موسى بشكل يشبه الطوب المرصوص، وهو أسلوب عرف عن النسّاخ اليمنيين منذ قرون طويلة.
وأشار محسن إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تُعرض فيها مخطوطة توراة يمنية في مزاد دولي، فقد شهد مزاد عام 2024 عرض لفيفة أخرى تعود للقرن السادس عشر، موثقة أيضاً بفحص الكربون، وصفها الخبراء بأنها إحدى أقدم النسخ اليمنية الكاملة التي وصلت إلى الأسواق العالمية.
وفي تعليقه على الإطار القانوني لهذه القضية، أوضح محسن أن المزادات الأمريكية تستغل ثغرات واضحة في الاتفاق الثقافي الموقّع بين اليمن والولايات المتحدة، إذ لا يشمل الحظر إلا الآثار والمخطوطات المصنّفة رسمياً كأملاك للدولة اليمنية والمثبت خروجها بطريقة غير مشروعة. غير أن لفائف التوراة تُعامل قانونياً في الولايات المتحدة باعتبارها ممتلكات دينية خاصة ليهود اليمن، وليست جزءاً من التراث الوطني اليمني، ما يمنح المزادات غطاء قانونياً لعرضها وبيعها دون مساءلة، في ظل غياب اعتراض رسمي من اليمن.
ويؤكد الباحث أن هذه الواقعة تمثل إنذاراً جديداً بشأن مصير التراث اليمني المكتوب، مشيراً إلى أن استمرار بيع المخطوطات النادرة في الخارج يكشف تراجع قدرة المؤسسات الرسمية على حماية هذا الإرث، ويطرح تساؤلات ملحّة حول الجهة التي ستدافع عن ذاكرة اليمن إذا بقيت هذه القطع التاريخية تُنقل من بلد إلى آخر دون رقابة أو مطالبة باستعادتها. وتأتي هذه القضية ضمن سلسلة أوسع من تقارير محلية ودولية وثقت عروضاً متكررة لآثار يمنية مهربة في مزادات عالمية خلال السنوات الأخيرة.