تجتاح فوضى تسعيرية خانقة سوق الدواء في مدينة تعز المحررة، وسط تدهور متصاعد للقطاع الصحي وغياب شبه تام أو تغييب متعمّد لدور الجهات الرقابية، ما حوّل الصيدليات إلى مراكز استغلال وجشع يدفع ثمنه المرضى من أرواحهم وجيوبهم.
شكاوى المرضى: نشتري الحياة بالأقساط
يشكو المواطنون من تفاوت جنوني في أسعار الأدوية، حيث يباع الدواء الواحد بأسعار مختلفة بين صيدلية وأخرى بلا أي مبرر علمي أو رقابي.
المواطن محمد (55 عامًا) قال: "دواء السكري الإماراتي بثلاثة أشرطة يُباع بـ 4900 ريال في صيدلية، وبـ 5500 في أخرى، وأحيانًا يصل لـ7600 ريال. هل نحن في مزاد؟".
أما أم أحمد (45 عامًا) من حي المناخ فحكت معاناتها مع دواء القلب:"الدواء تضاعف سعره. أحيانًا أضطر لتأجيل الجرعة، وهذا خطر على حياتي، لكن لا خيار أمامي".
الطبيب والتاجر.. بوجه واحد
تتعقّد الأزمة حين يتحوّل الطبيب من منقذ إلى شريك في تجارة الألم، إذ تشير شكاوى إلى امتلاك بعض الأطباء صيدليات خاصة داخل عياداتهم، ويجبرون المرضى على شراء الأدوية منها بذريعة "التأكد من المصدر"، فيما تخفي الحقيقة صفقات مع شركات أدوية تمنح أرباحًا خيالية على حساب صحة المرضى.
أحد المرضى وصف هذا السلوك بـ"غير الإنساني"، قائلاً: "الطبيب أصبح تاجرًا، والعلاج سلعة مشروطة.. والضحية هو المواطن المغلوب على أمره".
أسعار تنطح السحاب.. و"المهرّب" هو الحل
أمام غياب الرقابة وارتفاع الأسعار، يلجأ كثير من المرضى لشراء أدوية مهربة مجهولة المصدر بأسعار أقل، معرضين حياتهم لمخاطر خطيرة فقط لعدم استطاعتهم شراء الدواء الرسمي.
يوسف (50 عامًا) من حي صينة قال: "بعد جلسات غسيل الكلى أحتاج دواء معين، لكن لا أجده إلا بأسعار خيالية. أحيانًا أضطر لشراء البديل المهرّب رغم معرفتي بخطورته".
أرباح بلا سقف… وموت ببطء
يرى مراقبون أن أرباح العديد من الصيدليات تضاعفت بفعل التلاعب بالتسعيرة، حيث يُباع الدواء ذاته بعدة أسعار خلال اليوم، رغم تحسّن سعر العملة الوطنية. هذه الفوضى حولت المريض إلى فريسة في سوق بلا حارس.
نيابة الاستئناف تتدخل بقوة القانون
وسط هذا الانفلات، أصدرت نيابة الاستئناف في محافظة تعز مذكرة رسمية تُلزم الشركات والصيدليات بإشهار الأسعار على أغلفة الأدوية وفق القانون، لضمان معرفة المريض للسعر الحقيقي.
وحملت المذكرة الصادرة يوم أمس الثلاثاء 3 ديسمبر 2025، والموجهة لمدير عام الهيئة العامة للأدوية، الهيئة مسؤولية متابعة التنفيذ وضبط المخالفين تحت إشراف أعضاء نيابة الصناعة والتجارة.
آخر نداء من المواطنين:
"كفى عبثًا بصحتنا.. نريد دواءً بسعر معقول، بلا إذلال في كل جرعة ولا سوق سوداء تتربص بالمريض باسم الحياة".