ألقى التوجه الجديد للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تصنيف فروع من جماعة الإخوان المسلمين، المتواجدة في العديد من الدول، بأنها "منظمات إرهابية أجنبية" بتداعيات خارج الولايات المتحدة.
وتنتشر الجماعة بشكل فكري أو تنظيمي في دول عربية وإسلامية وأوروبية، وتحت مسميات مختلفة، بينما يستهدف التصنيف الأمريكي الجديد، على وجه الخصوص، فروع لبنان والأردن، بجانب مصرالتي انطلقت منها الجماعة في عشرينيات القرن الماضي.
ولم يرد اسم تركيا في بيان البيت الأبيض الأمريكي، وهي حليف لواشنطن وعضو رئيسي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وينص دستورها بشكل صريح على أنها جمهورية ديمقراطية علمانية.
لكن حزب العدالة والتنمية الحاكم فيها منذ نحو ربع قرن، وعدد آخر من الأحزاب السياسية التي لديها تمثيل في البرلمان أو خارجه، ذات جذور إسلامية ومحافظة بدرجات مختلفة.
وترتبط تلك الأحزاب الإسلامية، وبينها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعلاقات وثيقة مع عدد من فروع الجماعة، لاسيما في مصر، عندما وصلت الجماعة للحكم هناك عبر الرئيس الراحل محمد مرسي، عام 2012.
وفي العام التالي، قدمت أنقرة الدعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، عندما استضافت قيادات مختلفة وسمحت لهم بإنشاء قنوات تلفزيونية عقب انهيار حكمها هناك وحظرها وتصنيفها من قبل القاهرة، منظمة "إرهابية".
غير أن القطيعة التي استمرت نحو 11 عاماً بين أنقرة والقاهرة، بسبب ذلك الموقف التركي، انتهت العام الماضي بزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للقاهرة، ومن ثم زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لأنقرة.
واستبقت تركيا تطبيع علاقتها مع مصر، بتقييد نشاط الجماعة المصرية على أراضيها؛ ما دفع عددا منهم لمغادرة تركيا، لتنهي أنقرة انحيازها للجماعة المصرية وتعود لسياستها البراغماتية التي ميزت حكم حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 عبر الاحتفاظ بعلاقات متوازنة وواقعية مع كل الأطراف.
وبجانب مصر، لدى أنقرة علاقة وثيقة مع حركة حماس، والتي تندرج ضمن فروع الجماعة العالمية التي تستلهم الشريعة الإسلامية في مبادئها ومواقفها السياسية.
لكن أنقرة حافظت في المقابل، على علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل بالحد الأدنى حتى في أوج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي هدأت ضمن اتفاق دعمته أنقرة، ويقضي بإنهاء سيطرة "حماس" على القطاع.
ورغم العلاقة الوثيقة بين تركيا في زمن حكم حزب العدالة والتنمية المستمر حتى اليوم، وفروع جماعة الإخوان المسلمين في العديد من البلدان، ظلَّ تصنيف الحزب أو زعيمه أردوغان أو قياداته البارز، مثل أحمد داوود أوغلو، بأنهم فرع للجماعة في تركيا، محل جدل وتشكيك.
• *دولة علمانية يحكمها حزب إسلامي*
على الرغم من الجذور الإسلامية للحزب الحاكم، فإنه ظل يحكم البلاد بدستور علماني، واضطر للتحالف مع أحزاب قومية ويمينية للحصول على أغلبية برلمانية في مواجهة أحزاب تقليدية ليبرالية ويسارية تحالفت بدورها مع أحزاب إسلامية مناهضة لحزب العدالة والتنمية.
وقال المحلل السياسي التركي، علي أسمر، إن التقارب التركي مع جماعة الإخوان المسلمين، هو في الأساس، تكتيكي وليس استراتيجيا، أي أنه تقارب تم لظروف معينة بزمن معين وليس تعاونا عميقا بين الطرفين، وهذا أمر طبيعي في السياسة.
وأضاف أسمر الذي تحدث لـ "إرم نيوز" من إسطنبول، أن خطوة واشنطن الجديدة تجاه تصنيف فروع من جماعة الإخوان المسلمين، منظمات إرهابية، جاءت بينما تشهد سوريا دعوات لحل جماعة الإخوان المسلمين فيها، بعد أن اتخذت أنقرة العام الماضي خطوات عملية لمنع الجماعة من عرقلة عودة علاقة تركيا مع مصر.
ويعتقد أسمر أن خطوة واشنطن تحمل معها نفعاً لتركيا؛ إذ تشكلت بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 (شرارة حرب إسرائيل على غزة) إرادة دولية بإنهاء حقبة الفصائل والجماعات والميليشيات وإعادة زمام الأمور للدول والحكومات فقط، ونسف أي كيانات موازية للدول؛ وهذا بشكل أو آخر سيفضي إلى التخلص من حزب العمال الكردستاني وامتداداته التي تقلق أنقرة.
وأوضح أن نسف الكيانات الموازية لدول المنطقة، سيكون له تأثير إيجابي على توحيد صف تلك الدول، أمام التحديات الصعبة، مشيراً إلى أن توحيد الصف نجح في رفع العقوبات الغربية على سوريا ونجح أيضا في وقف حرب غزة ولو جزئياً.
• *تحديات القرار الأمريكي*
ولا يزال قرار ترامب في مراحله الأولى، ويتضمن توجيه وزيري الخارجية والخزانة، بتقديم تقرير حول ما إذا كان سيتم تصنيف أي من فروع جماعة الإخوان المسلمين كتلك الموجودة في لبنان ومصر والأردن. ويطلب من الوزيرين المضي قدما في تطبيق أي تصنيفات في غضون 45 يوما من صدور التقرير.
واتهمت إدارة ترامب فروعاً للإخوان المسلمين في تلك الدول بدعم أو تشجيع شن هجمات عنيفة على إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة، أو تقديم الدعم المادي لحركة "حماس".
وذكر البيت الأبيض في البيان "الرئيس ترامب يواجه الشبكة العابرة للحدود لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تغذي الإرهاب وحملات زعزعة الاستقرار المناهضة للمصالح الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
ويسمح تصنيف الولايات المتحدة للجماعة، منظمة "إرهابية" أجنبية، باتخاذ واشنطن إجراءات عقابية ضد الجماعة؛ مثل تجميد أي أصول قد تكون لها في الولايات المتحدة، ومنع دخول أعضائها.
ويواجه القرار الأمريكي، تحديات التفريق بين فروع الجماعة المحظورة أو المصنفة ضمن المنظمات الإرهابية في عدة دول عربية، بينما تعمل فروع أخرى بشكل علني في السياسة والنشاطات الاجتماعية، ولها تمثيل في البرلمان في دول عربية أخرى.
المصدر: إرم نيوز