رحل المهندس محمد المقرمي بعد سنوات من الحضور الشفّاف والخفيف كجناح فراشة.
ينتمي المقرمي إلى العقول القلِقة معرفيّاً، تلك التي لا تتوقف عن إثارة الأسئلة وتلمّس منهج الإجابة داخل دائرة الإيمان.
ربما كان تأهيله العلمي قد فرض عليه منهجيةً منطقيةً في القراءة والاستنباط، وأمدّه بطاقةٍ للبحث عن الدليل بمقتضيات ذهنية البناء والإصلاح والترميم.
كانت المرة الأولى التي سمعتُ فيها باسمه من الصديق برهان الصهيبي، في مَقيلي في البيت حدودَ عام 2008، وتطرّق فيه إلى تجربة المقرمي في اليابان وتأمله للإيمان والنزاهة في مقاربة روحية وثقافية دون تقعير ولا تباهٍ.
وقبل شهور قليلة، أصبح يوتيوب يقترح عليّ مشاهد للمهندس المقرمي، فيها أسلوب آسر وفكرة محبّبة ليست بالضرورة متوافقة مع مجال انشغالي الخاص.
لا شك أن المهندس المقرمي قد جاهد نفسه كثيراً حتى لا تتفعّل مفاتيحُ السلطة الرمزية لخطابه وحلقاته وشخصيته، سيّما وهو يشتغل في حقلٍ قابلٍ لإنتاج السلطة المقرونة بالإيمان.
كل من عرفه أو اقترب منه وقع أسيراً لكاريزما البساطة والخطاب الرحيم؛ وهي سمة مفارِقة لحاملي الخطاب الديني المسيطرين على المنابر.
تمايز عنهم المقرمي كلياً: شكلاً وصوتاً وتعبيراً.
ربما كان زهدُ المهندس سبباً في أنه بقي محصوراً على مجموعة من المريدين، ولم يشمل جمهوراً أوسع من اليمنيين، مع أن خطابه يلبي احتياجاً متعاظماً يتولّد حتماً من أزمةٍ روحيةٍ تصيب الشباب المسلم تحديداً نتيجة التسييس المفرط للخطاب الديني.
العزاء لأهله ومحبيه.
مصطفى ناجي
من صفحة الكاتب على موقع إكس