بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، لم تتلاش "إمبراطورية الكبتاغون"، بل تبدّلت مواقعها، فما كان يُنتَج في معامل اللاذقية وحمص السوريتين بات يُصنَّع اليوم في مخازن المهرة والحديدة اليمنيتين.
في هذا الانتقال، تظهر إيران كالعقل المنسّق الذي يوظّف المخدرات كسلاح سياسي وتمويلي في حروبها غير التقليدية. أما اليمن، فبات ساحة التجربة الجديدة؛ دولة منهكة، بحر مفتوح، ومجتمع يعاني، وهي البيئة المثالية لازدهار اقتصاد الظلّ الذي يربط المال بالموت، والمخدرات بالسياسة.
قالت مصادر أمنية سورية إن صناعة "الكبتاغون" التي بناها نظام بشار الأسد، تلقت ضربة كبيرة خلال الأشهر التي تلت سقوط الأسد وتسلم الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع الحكم في البلاد الخارجة من حرب أهلية مروعة.
مصدر في وزارة الداخلية السورية، رفض الإفصاح عن إسمه لأنه غير مخول بالتصريح، قال لـ"إرم نيوز" إن نتائج المعركة ضد المخدرات كانت سريعة؛ إذ تراجعت عمليات الإنتاج والتهريب بنسبة تصل إلى 80 بالمائة. فقد داهمت السلطات مختبرات الكبتاغون في طول البلاد وعرضها، وأتلفت ملايين الحبوب .
وذكر المصدر أن التضييق على هذه الصناعة الإجرامية، دفع بعض القائمين عليها للهروب من سوريا ونقل خبراتهم ونشاطهم إلى مناطق أخرى، وخاصة إلى مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن.
وتتقاطع هذه المعلومات مع تصريح لوزير الداخلية اليمني إبراهيم حيدان، قال فيه إن إيران نقلت بعد سقوط الأسد "أنشطة تهريب المخدرات والأسلحة إلى اليمن وإلى الفصائل التابعة لها". وأكد أن الأجهزة الأمنية ضبطت "خبراء سوريين" في مصانع لإنتاج الكبتاغون داخل اليمن، ما يشير إلى انتقال مباشر للتقنيات والخبرة من سوريا.
كما كشفت تقارير أمنية عن اكتشاف مصانع متطورة في محافظة المهرة شرقي البلاد، وهو ما يعزز فرضية وجود دعم لوجستي وتمويلي إيراني منظم.
إبّان سقوط نظام الأسد في سوريا، سقط ما كان يُعرف بـ "دولة الكبتاغون"، التي تشير تقديرات عالمية إلى أنها كانت أكبر مراكز الإنتاج لهذا النوع من المخدرات المصنعة في العالم، لينتقل النشاط من سوريا إلى اليمن اليوم، وفق معلومات رشحت عن مسؤولين يمنيين وتقارير عربية وغربية.
ويشير خبراء بإصبع الاتهام إلى إيران باعتبارها الفاعل الأساسي في هذا الانتقال الخطير، مؤكدين أن مصانع الحبوب والممرات اللوجستية بدأت تشقّ طريقها جنوبا نحو اليمن، في واحدة من أخطر التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة منذ عقد.
وطوال سنوات الحرب في سوريا، بنى نظام بشار الأسد شبكات واسعة لتمويل بقائه عبر إنتاج وتهريب الكبتاغون. قادت "الفرقة الرابعة" بقيادة ماهر الأسد، بالتعاون مع حزب الله، هذه الصناعة التي ازدهرت في اللاذقية وحمص والقصير.
ووفق تقارير المركز العربي للدراسات، بلغت حصة سوريا من الإنتاج العالمي نحو 80 إلى 82 في المئة بقيمة سنوية تتراوح بين 5 و 10 مليارات دولار، وهو رقم يفوق صادرات دمشق الرسمية بأضعاف.
ووفقا لتحقيقات استقصائية، وتقارير دولية، كانت الشحنات تنطلق من مرافئ اللاذقية وطرطوس على المتوسط باتجاه دول أوروبية على رأسها إيطاليا واليونان، أو تمرّ برًّا عبر دول مجاورة. لكن بعد سقوط النظام وتشديد الرقابة الدولية على الساحل السوري واللبناني، بدأ البحث عن ملاذ جديد. وهنا دخل اليمن إلى الصورة، بعدما وفّر الحوثيون بسطوتهم على موانئ البحر الأحمر وباب المندب بيئة مثالية للتهريب.
بحسب بيانات منشورة عام 2025، ضبطت السلطات اليمنية الشرعية خلال السنوات الأخيرة شحنات بقيمة تتجاوز 150 مليون دولار، شملت أكثر من مليون حبة كبتاغون وطنّات من الكوكايين والحشيش والميثامفيتامين.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت الحكومة اليمنية ضبط 1.5 مليون حبة كبتاغون كانت متجهة من صنعاء إلى السعودية، واتهمت الحوثيين وإيران بالوقوف خلفها. كما جرى اعتراض زوارق تهريب قرب رأس العارة ومضيق باب المندب محمّلة بأطنان من المخدرات المتنوعة.
تحوّل الحوثيون خلال السنوات الأخيرة من حركة مسلحة ذات طابع ديني إلى شبكة سياسية – اقتصادية تدير موارد ضخمة خارج الاقتصاد الرسمي. ومع إحكام قبضتهم على موانئ الحديدة والمخا والصليف، صار بإمكانهم استثمار الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن كمنصة تهريب تربط البحر الأحمر بخليج عدن والقرن الإفريقي.