بينما تتغنّى ميليشيا الحوثي بشعارات الدفاع عن غزة و قضية فلسطين ، تكشف الوقائع الميدانية والتقارير الحقوقية عن وجهٍ آخر مغايرٍ تمامًا — وجهٍ غارقٍ في الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين في الداخل اليمني.
ففي الوقت الذي ترفع فيه المليشيات رايات المقاومة ، تمارس على الأرض حكمًا قمعيًا ممنهجًا يطال كل فئات المجتمع، ويضرب أسس القانون الإنساني الدولي عرض الحائط.
أرقام لا تحتمل التأويل
تشير الإحصاءات الصادرة عن منظمات حقوقية محلية إلى أن جماعة الحوثي ارتكبت منذ انقلابها في سبتمبر 2014 وحتى منتصف 2025 أكثر من 160,955 مخالفة وانتهاكًا، شملت القتل والإصابات والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة.
وفي محافظة البيضاء وحدها، تم توثيق 8,186 مخالفة خلال الفترة من يناير 2015 إلى يناير 2025، تضمنت أعمال قتل وتنكيل وتعذيب للمدنيين، في مشهدٍ يعكس حجم الانفلات الأمني داخل مناطق سيطرة الجماعة.
الأطفال ضحايا التجنيد والموت
لا تتوقف جرائم الحوثيين عند حدود الكبار، بل تمتد إلى الأطفال الذين حُرموا من براءتهم وسُلبوا طفولتهم.
فقد رُصدت أكثر من 21,342 حالة انتهاك ضد الأطفال بين عامي 2015 و2025، بينها 9,914 قتيلًا و6,417 مصابًا و598 حالة اختطاف، إضافةً إلى 51 جريمة اغتصاب موثقة.
كما تسببت الألغام التي زرعتها المليشيا في مقتل 2,316 مدنيًا وإصابة 4,115 آخرين — أرقام تضعها في مصاف أكبر مهددي الحياة المدنية في اليمن.
سجون سرية... وعدالة مغيبة
تؤكد تقارير ميدانية وجود ما يقارب 778 سجنًا في مناطق سيطرة الحوثيين، من بينها 273 سجنًا سريًا تُمارَس فيها أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي.
ويستخدم الحوثيون سياسة التدمير الممنهج للمنازل والممتلكات كأداة عقاب جماعي لكل من يعبّر عن رأي مخالف أو انتماء سياسي مغاير.
نماذج من الجرائم الميدانية
قصف المنازل المدنية: في مارس 2024، استهدفت المليشيات منازل في مدينة رداع بمحافظة البيضاء، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين من النساء والأطفال تحت الأنقاض.
الاعتداء على الملاحة الدولية: في يوليو 2025، وثّقت هيومن رايتس ووتش هجمات حوثية على سفن تجارية في البحر الأحمر، ووصفتها بأنها جرائم حرب واضحة .
تصاعد الجريمة الداخلية: تقارير حقوقية تؤكد ارتفاع معدلات الجرائم في مناطق الحوثيين بنسبة 500٪ خلال عام 2025، شملت جرائم قتل وعنف أسري وخطف.
دوافع وأدوات السيطرة
تعتمد الجماعة في إحكام قبضتها على أدوات متشابكة:
-تجنيد قسري للأطفال والشباب بعد إخضاعهم لدورات فكرية تعبئة.
-استغلال المساعدات الإنسانية لأغراض سياسية وعسكرية.
-فرض منظومة قضائية موازية تفتقر للشفافية والعدالة.
الموقف الدولي والحقوقي
دعت منظمات دولية إلى محاكمة قادة الحوثيين كمجرمي حرب، معتبرةً أن الانتهاكات الموثقة ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
وفي يناير 2025، أعادت الولايات المتحدة تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية، في خطوة وُصفت بأنها تأكيد على خطورة ممارساتها وتهديدها للأمن الإقليمي والدولي.
يتغنّى الحوثيون بالدفاع عن غزة ويزعمون حماية الإنسان العربي ، بينما تغرق سجونهم بآلاف اليمنيين وتُزهق أرواح المدنيين في مناطقهم.
إن سجلّهم الحافل بالانتهاكات يبرهن أن شعاراتهم ليست سوى قناع إعلامي لتغطية مشروعٍ قمعيٍ داخلي، وأن ما يرفعونه من رايات المقاومة ما هو إلا ستار يخفي واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية في التاريخ الحديث لليمن.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل سيأتي اليوم الذي يُحاكَم فيه قادة الحرب على جرائمهم أمام العدالة الدولية؟