شيّعت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، الاثنين، في العاصمة صنعاء، رئيس هيئة الأركان في قواتها اللواء محمد عبدالكريم الغماري، الذي أعلنت الجماعة مقتله الخميس الماضي، في جنازة اتسمت بالحضور الشعبي الواسع والغياب شبه الكامل لقياداتها العسكرية والسياسية من الصف الأول.
وأظهرت مشاهد بثّتها قنوات ومواقع تابعة للجماعة دفن الغماري في ساحة مجاورة لميدان السبعين، وهي الساحة ذاتها التي تضم ضريح رئيس المجلس السياسي السابق صالح الصماد، الذي قُتل بغارة جوية لقوات التحالف العربي عام 2018.
غياب لافت للقيادات البارزة
رغم أن الغماري يُعد أحد أبرز القادة العسكريين في صفوف الحوثيين، فإن مراسم تشييعه خلت من حضور وزيري الدفاع والداخلية، كما لم يُسجّل أي ظهور لرئيس المجلس السياسي مهدي المشاط. واقتصر الحضور الرسمي على القائم بأعمال رئيس الوزراء في حكومة الحوثيين غير المعترف بها محمد أحمد مفتاح، وعدد محدود من القيادات الوسطى وموظفي المؤسسات التابعة للجماعة.
هذا الغياب أثار تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية حول الأسباب الحقيقية وراءه، خصوصاً في ظل تقارير متطابقة تشير إلى أن الغماري قُتل أواخر أغسطس/آب الماضي في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لقيادات من الصف الأول للجماعة جنوبي صنعاء، وهي الغارة ذاتها التي طالت رئيس حكومة الحوثيين وعدداً من الوزراء.
وبينما أعلنت الجماعة مقتل الغماري ونجله واثنين من مرافقيه، فإنها امتنعت عن ذكر تفاصيل مقتله أو موقع الهجوم. كما لم تُصدر أي بيان رسمي يوضّح مصير وزيري الدفاع محمد ناصر العاطفي والداخلية عبدالكريم الحوثي، اللذين لم يُشاهدا منذ أواخر أغسطس، وسط تقديرات بأنهما ربما كانا ضمن من استُهدفوا في الغارة الإسرائيلية ذاتها.
مصادر أمنية في صنعاء أكدت أن الميليشيا شددت خلال الأسابيع الماضية إجراءاتها الأمنية بشكل غير مسبوق، شملت عزل القيادات العسكرية والأمنية عن وسائل الاتصال الحديثة، ومنعها من استخدام الإنترنت أو الهواتف الذكية، خشية رصد تحركاتهم من قبل أجهزة استخبارات أجنبية.
وأشارت المصادر إلى أن الحوثيين باتوا يعتمدون على وسائل اتصال تقليدية وشبكات داخلية مغلقة، إلى جانب تغيير أماكن إقامة القيادات بشكل دوري وسري، في إجراء يعكس حالة الذعر التي تسود داخل الجماعة عقب الغارات التي استهدفت قياداتها.
خوف من تكرار سيناريو حزب الله
يرى مراقبون أن حالة الارتباك الأمني في صفوف الحوثيين تعود إلى خشيتهم من تكرار ما حدث مع حزب الله اللبناني، الذراع الإيراني الآخر في المنطقة، الذي فقد عدداً من أبرز قياداته خلال عمليات تصفية إسرائيلية خلال العامين الماضيين، وصولاً إلى مقتل أمينه العام حسن نصر الله.
ويشير المراقبون إلى أن إسرائيل تسعى لتطبيق مقاربة مشابهة في اليمن، تستهدف تفكيك البنية القيادية والعسكرية للحوثيين عبر عمليات نوعية دقيقة، إذ كان الغماري هدفاً معلناً لتل أبيب منذ منتصف العام الجاري. وقد نجا من غارة أولى في يونيو/حزيران الماضي، قبل أن يلقى مصرعه في الضربة الثانية بعد شهرين فقط، ما يرجّح وجود اختراق استخباراتي داخل الجماعة مكّن من تحديد مواقع اجتماعاتها.
ويمثل مقتل الغماري، الذي تولى منصب رئيس هيئة الأركان العامة للحوثيين منذ عام 2019، أخطر ضربة عسكرية تتعرض لها الجماعة منذ نشأتها في صعدة عام 2004. فقد كان من أبرز مهندسي العمليات الهجومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وصعدة، والمسؤول عن إدارة شبكة الإمداد الميداني وتسليح الجبهات.
ويؤكد محللون أن خسارة الغماري تمثل سقوطاً رمزياً للهالة الأمنية التي حاول الحوثيون الترويج لها طوال السنوات الماضية، بشأن استحالة اختراق صفوفهم أو رصد تحركات قياداتهم، مشيرين إلى أن الهجوم الأخير يبرهن على هشاشة بنيتهم الاستخباراتية رغم الدعم الإيراني المكثف.
تداعيات مستقبلية
من المرجح أن يترك مقتل الغماري فراغاً عسكرياً يصعب تعويضه على المدى القصير، خصوصاً أنه كان يتمتع بثقة زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، ويشرف على أهم الملفات الميدانية. كما يتوقع مراقبون أن تدفع هذه الحادثة الجماعة إلى مزيد من الانغلاق الأمني والتشدد الداخلي، بما يعزز الانقسامات داخل أجنحتها العسكرية والسياسية.
ويرى الخبير اليمني في الشؤون العسكرية علي الذهب أن “الضربة التي أودت بالغماري لا تمثل فقط خسارة قيادي، بل نقطة تحوّل في ميزان الثقة داخل الجماعة”، مضيفاً أن “رد الفعل الميداني للحوثيين خلال الأسابيع المقبلة سيكشف مدى قدرتهم على امتصاص الصدمة أو انزلاقهم نحو مزيد من الارتباك”.
رحيل الغماري بهذه الطريقة الغامضة والغامرة بالشكوك، وسط تغيّب قيادات الصف الأول وتضارب الروايات، يعيد فتح ملف الاختراق الأمني داخل الميليشيا ويطرح تساؤلات عن مصير بقية قادتها، في ظل مؤشرات على موجة تصفيات جديدة تستهدف تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة عبر استهداف أذرعه المسلحة.