لم يحظَ أي رئيس حكومة يمني في السنوات الأخيرة باهتمام لافت كالذي حظي به رئيس الوزراء الدكتور سالم بن بريك خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث عكست اللقاءات الرفيعة والاستقبال الرسمي حرص القيادة الإماراتية على دعم الحكومة اليمنية ومساندة جهودها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والإداري.
تأتي هذه الزيارة في سياق الدور المحوري الذي تلعبه أبوظبي إلى جانب الرياض في دعم الحكومة ومؤسساتها، غير أن دولة الإمارات، تتفوق في إنجاز مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة والمياه والبنية التحتية، فضلًا عن إسهاماتها الأمنية والعسكرية في محاربة الإرهاب والحوثيين، وتأمين المناطق المحررة التي جاء تحرير معظمها بجهد إماراتي خالص، بالشراكة مع القوى المحلية.
هذا الحراك اللافت أثار تساؤلات سياسية حول ما إذا كانت هناك صيغة جديدة قيد النقاش لمعالجة أزمة مجلس القيادة الرئاسي، وإمكانية إصلاح النظام السياسي "الهجين" القائم حاليًا، بحيث تنتقل السلطات التنفيذية تدريجيًا إلى رئيس الحكومة على غرار الأنظمة البرلمانية في دول عربية مثل العراق ولبنان والمغرب وتونس والكويت، حيث يكون رئيس الحكومة هو صاحب القرار التنفيذي، بينما يحتفظ رئيس الدولة أو المجلس الرئاسي بصلاحيات رمزية ومحددة.
الحالة العراقية تبدو الأقرب للمقارنة مع الوضع اليمني؛ إذ يمكن تصور تحول النظام اليمني إلى نظام برلماني معدل، يصبح فيه رئيس الحكومة القائد الأعلى للقوات المسلحة والمسؤول الأول عن القرار التنفيذي، في حين يُعاد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي من ثلاث شخصيات توافقية ذات صلاحيات محدودة، تضطلع بمهام رمزية أو رقابية في السياسة الخارجية والدفاعية.
لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن تحقيق ذلك؟
من الناحية الدستورية، لا يمكن نقل صلاحيات مجلس القيادة الرئاسي إلى الحكومة إلا بتوافق سياسي واسع مدعوم إقليميًا ودوليًا، فالإعلان الرئاسي الصادر في أبريل 2022 هو الذي يستمد منه المجلس صلاحياته، وجاء فيه نص صريح بأن "مجلس القيادة الرئاسي يتولى كامل صلاحيات رئيس الجمهورية".
أي أن المجلس مجتمعًا يمثل رأس الدولة ويمارس مهام القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصلاحيات السياسة الخارجية والقرارات السيادية، بينما تظل الحكومة جهازًا تنفيذيًا تابعًا له.
مع ذلك، يمكن نقل بعض الصلاحيات العملية إلى رئيس الوزراء بالتوافق، خصوصًا في الملفات الاقتصادية والخدمية والإدارية، كما هو حاصل اليوم مع الدكتور سالم بن بريك، الذي بات يدير فعليًا الملفات الحساسة بتنسيق مباشر مع عدد من أعضاء المجلس، وفي مقدمتهم الفريق أول عبدالرحمن المحرمي.
إن نقل جزء من الصلاحيات إلى رئيس الحكومة قد يشكل الخطوة الأولى نحو معالجة حالة الانقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي، وتهيئة الأرضية لإصلاح هيكلي يضمن وحدة القرار التنفيذي. فإما أن يُعاد تشكيل المجلس على أسس شراكة حقيقية تمثل القوى الفاعلة على الأرض، أو أن يبقى بصلاحيات محدودة لا تتداخل مع مهام الحكومة التنفيذية.
الحالة اليمنية اليوم بحاجة إلى قرار سياسي جديد يعيد ترتيب المشهد برمّته، ويؤسس لمرحلة أكثر وضوحًا في توزيع السلطات والمسؤوليات. ويبدو أن هناك رغبة إقليمية واضحة في تمكين رئيس الحكومة سالم بن بريك من لعب دور محوري في تصويب المسار وإيقاف حالة العبث التي رافقت أداء رئيس المجلس "رشاد العليمي" خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي كانت سببًا مباشرًا في تفاقم الانقسام وتعطيل مؤسسات الدولة.
* من صفحة الكاتب على إكس