في الوقت الذي تُغدق فيه قيادة حزب الإصلاح، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في اليمن، سلسلة من الوعود والخطابات التي تزدان بمفردات "الوحدة الوطنية" و"استعادة الدولة" و"مواجهة الانقلاب الحوثي"، تتكشف في المقابل، وبوتيرة متصاعدة، شواهد ميدانية ووقائع موثوقة تكشف عن شبكة تواصل متينة، بعضها سري والبعض الآخر أصبح علنيًا، مع المليشيا الحوثية. هذه المفارقة ليست مجرد ازدواجية في اللغة السياسية، بل تعكس استراتيجية عميقة الجذور تقوم على ازدواجية الخطاب كأداة تفاوضية ومناورة طويلة الأمد.
فالحزب، الذي يُقدّم نفسه محليًا وإقليميًا بوصفه قوة "جمهورية" في مواجهة المشروع الإيراني، يحرص في الوقت ذاته على الإبقاء على خيوط تواصل مع خصمه المفترض، سواء لأهداف براغماتية تتعلق بالحفاظ على مصالحه الاقتصادية والسياسية في مناطق سيطرة الحوثيين، أو كجزء من حسابات أوسع تتيح له استخدام هذا التواصل كورقة ضغط في أي تسوية سياسية مقبلة. ويقرأ مراقبون هذا السلوك باعتباره نهجًا إخوانيًا كلاسيكيًا يقوم على تعدد الواجهات: خطاب علني موجّه للداخل ولحلفاء الخارج يشي بالعداء للحوثي، وسلوك ميداني يوحي باستعداد دائم لتقاسم النفوذ مع ذات الجماعة التي يهاجمها إعلاميًا.
الأخطر في هذه المفارقة أن الإصلاح، من خلال هذا التوازي بين القول والفعل، يرسل إشارات مبطنة لكل الأطراف: للحوثي بأن أبواب التفاهم مفتوحة متى ما اقتضت المصلحة، وللقوى الإقليمية والدولية بأنه لا يمكن تجاوزه كرقم صعب في أي حل قادم. وهكذا تتحول خطابات "توحيد الصف الجمهوري" إلى غطاء سياسي لسياسة ميدانية مزدوجة، هدفها الأساسي البقاء في قلب المعادلة اليمنية، مهما تبدلت موازين القوى أو تغيّرت طبيعة التحالفات.
شعارات برّاقة… وممارسات مناقضة
قبل أيام، قدّم محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للإصلاح، كلمة بمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس الحزب، أكّد فيها أن الشراكة الوطنية هي السبيل لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي ، داعيًا إلى ميثاق شرف سياسي يضمن حكمًا توافقيًا بعد زوال الانقلاب. لكن هذه اللغة التصالحية التي تزدان بالمصطلحات الوطنية تصطدم، بحسب مراقبين وناشطين، بواقع سياسي وميداني مختلف كليًا.
الناشط السياسي محمد الشماسي وصف تلك الخطابات بأنها شعارات إعلامية مفضوحة ، مؤكدًا أن الحزب يمارس على الأرض سياسات ممنهجة تعرقل جهود التحرير وإعادة بناء الدولة. فالإصلاح، الذي يرفع لواء مواجهة الحوثيين، يمتنع عن تسليم إيرادات مأرب إلى البنك المركزي في عدن، ما يحرم الحكومة من أهم مواردها المالية. وفي تعز، المحافظة التي تُعد معقله الأبرز، يتهمه خصومه بـإفشال خطوات السلطة المحلية وتفكيك جهود توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو ما يضاعف الفوضى ويعرقل استكمال التحرير.
وتتسع الاتهامات لتشمل ارتباطات وثيقة بتنظيمات متطرفة في المحافظات الجنوبية، حيث وثّقت تقارير أمنية وإعلامية تورط خلايا عسكرية وأمنية مرتبطة بالإخوان في التنسيق مع عناصر من القاعدة وداعش، من أبرزها خلية "أمجد خالد" التي كُشف عن نشاطها في عمليات تهريب السلاح وتفجير الصراعات الداخلية. هذه الوقائع، بحسب الشماسي، تؤكد أن الحزب يتحدث بلغة الدولة بينما يعمل لإضعافها ، في تكرار لنمط إخواني معروف يقوم على ازدواجية الخطاب وتعدد الواجهات؛ إذ يقدّم نفسه شريكًا في معركة استعادة الشرعية، بينما يتصرّف على الأرض كقوة موازية تسعى لتكريس نفوذها وحماية مصالحها الخاصة.
ويشير محللون إلى أن هذه الازدواجية ليست مجرد تكتيك لحظي، بل إستراتيجية راسخة تهدف لإبقاء الحزب "رقمًا صعبًا" في أي تسوية سياسية قادمة. فبقدر ما يحرص قادة الإصلاح على مخاطبة المجتمع الدولي بخطاب وطني جامع، يحرصون أيضًا على الإبقاء على قنوات اتصال مع قوى الأمر الواقع في صنعاء، واستثمار حالة الانقسام لفرض أنفسهم طرفًا لا يمكن تجاوزه. وبينما يطالب اليدومي بـ ميثاق شرف يضمن الحكم التوافقي، يرى مراقبون أن جوهر هذه الدعوة لا يخرج عن كونه اشتراطًا لاقتسام السلطة مسبقًا، والتلويح برفض أي عملية انتخابية قد تُقصيه من المشهد بعد تراجع شعبيته.
لقاءات العلن بعد سنوات من السرية
شكّل عام 2023 علامة فارقة في مسار العلاقة الخفية بين حزب الإصلاح (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في اليمن) ومليشيا الحوثي، إذ خرجت إلى العلن صور ولقاءات جمعت قيادات من الطرفين داخل مقر حركة حماس في صنعاء، تحت لافتة "دعم القضية الفلسطينية". غير أن تلك الصور، التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، بدت– وفق محللين سياسيين– "إشارة فاضحة" إلى أن ما كان يُدار في الغرف المغلقة لسنوات بات يُسوَّق اليوم كأمر عادي وطبيعي، في سياق إعادة تموضع سياسي تحكمه المصالح المشتركة أكثر من الشعارات المعلنة.
هذه اللقاءات العلنية لم تكن حدثًا طارئًا، بل تتويجًا لمسار طويل من التفاهمات السرية. فوفق شهادات سياسية متطابقة، بدأت قنوات التواصل منذ ما قبل اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في 2014، عندما التقى أمين عام الإصلاح عبدالوهاب الآنسي بزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في صعدة، حيث جرى التفاهم على تحييد جبهات الإخوان وعدم مواجهة تقدم المليشيا عسكريًا مقابل ضمان بقاء مصالح وقيادات الإصلاح في صنعاء، بما في ذلك شبكاته الاقتصادية والإعلامية. هذا التفاهم المبكر، بحسب مراقبين، يفسّر "الانهيار السريع" لجبهات كانت تخضع لنفوذ الإخوان مثل الفرقة الأولى مدرع وقبائل شمال الشمال، وهو ما مكّن الحوثيين من دخول صنعاء بأقل قدر من المقاومة.
ومع مرور الوقت، استُعيدت هذه القنوات بأشكال مختلفة، إلى أن تحولت في السنوات الأخيرة إلى لقاءات موثقة وصور جماعية. فقد ظهر كل من القياديين الإصلاحيين فتحي العزب ومنصور الزنداني إلى جانب القيادي الحوثي علي القحوم في اجتماعات علنية، أعلن القحوم صراحة أنها تهدف إلى "تعزيز الجبهة الداخلية" و"بناء الشراكة الوطنية". وبالنسبة لخبراء الشأن اليمني، فإن هذه المصطلحات تعكس مشروعًا متكاملاً لتقاسم النفوذ، وتبادل الأدوار في مواجهة خصوم مشتركين، وفي مقدمتهم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يُعد اليوم العائق الأبرز أمام أي مساعٍ لإعادة تدوير الحوثي والإخوان معًا في معادلة السلطة.
سياسيون يمنيون يذهبون أبعد من ذلك، معتبرين أن هذا الانفتاح العلني ليس سوى امتداد لشراكة قديمة وصفوها بـ"شراكة الدم"، حيث تلتقي مصلحة الجماعتين– رغم اختلاف الخطاب– في إبقاء اليمن في حالة صراع دائم يعيق قيام دولة مدنية حديثة. ويرى هؤلاء أن التوقيت أيضًا ليس بريئًا: فقد جاء في لحظة انشغال الرأي العام العربي والدولي بأحداث غزة، ما سمح للطرفين بتمرير رسالة مزدوجة: الحوثي يسعى لإظهار انفتاحه على جميع القوى، والإصلاح يبعث بإشارة استعداد للعودة إلى أي تسوية سياسية تضمن له موطئ قدم، حتى لو كان الثمن تقاربًا مع خصم كان يصفه علنًا بـ"العدو العقائدي".
بهذا المعنى، لم تكن صور صنعاء مجرد لقطات عابرة لدعم فلسطين، بل كشف حقيقي لتقارب استراتيجي طويل الأمد، يعيد رسم تحالفات المشهد اليمني، ويؤكد – كما يقول المراقبون – أن خيوط التفاهم بين الإخوان والحوثيين لم تنقطع قط، بل ازدادت متانة كلما تعقّدت مسارات الحرب والسلام.
ازدواجية الخطاب واستثمار الاضطرابات
في خطابه الأخير، تحدّث محمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح، مطوّلًا عن "معاناة اليمنيين في مناطق الحوثي من القمع والاضطهاد"، داعيًا إلى إنهاء ما وصفه بسياسة البطش الحوثية. غير أن ناشطين وسياسيين اعتبروا هذا الخطاب مجرد واجهة إعلامية لا تعكس الواقع الفعلي، لافتين إلى أن الحزب يتغاضى عمدًا عن حقيقة أن قيادات إصلاحية بارزة ما تزال مقيمة في صنعاء تحت حماية الحوثيين، وتتمتع بامتيازات خاصة، في الوقت الذي تطال حملات الاعتقال والتنكيل المواطنين العاديين وقبائل رافضة لسياسة المليشيا، لا القيادات الإخوانية.
هذا التناقض، كما يؤكد مراقبون، يفضح "ازدواجية متعمدة" تهدف إلى تحقيق مكاسب مزدوجة: فمن جهة يواصل الحزب الظهور بمظهر "الخصم السياسي" للحوثيين أمام الرأي العام اليمني والإقليمي، ومن جهة أخرى يحافظ على شبكة مصالح اقتصادية وتجارية واسعة داخل مناطق سيطرة المليشيا. وتشير تقارير غير رسمية إلى أن شخصيات إصلاحية تملك شركات تحويل أموال ومؤسسات تجارية تعمل بشكل طبيعي في صنعاء وذمار وإب، وهو ما يوفّر للحزب شريانًا ماليًا حيويًا يُستخدم لدعم أنشطته في مأرب وتعز ومناطق أخرى، دون أن يتعرض لتضييق حوثي يوازي ما تواجهه القوى المناهضة فعليًا للمليشيا.
ويتهم محللون الحزب باستثمار حالة الفوضى والاضطراب الأمني لصالحه، إذ يستفيد من استمرار الصراع لإعادة ترتيب أوراقه في المحافظات المحررة، خصوصًا في شبوة وتعز، حيث يعمل – بحسب تقارير محلية – على إعادة تموضع عسكري عبر أذرع مسلحة تحت مسميات مختلفة، بينما يقدّم نفسه دوليًا كشريك في جهود مكافحة الإرهاب. ويشير هؤلاء إلى أن الهدوء النسبي الذي تنعم به استثمارات وشخصيات إصلاحية في صنعاء وصعدة، مقارنة بما تتعرض له قبائل موالية للشرعية أو نشطاء معارضون للحوثيين من اعتقالات ومصادرة ممتلكات، ليس سوى دليل على "صفقة نفوذ غير معلنة" تتيح للإصلاح الاحتفاظ بقدراته المالية والسياسية مقابل لعب دور "صمام أمان" داخلي للمليشيا.
كما يرى باحثون في الشأن اليمني أن هذه الازدواجية لم تعد تقتصر على الخطاب السياسي فحسب، بل تحوّلت إلى أداة استراتيجية لإطالة أمد الصراع. فالإصلاح – وفق التحليلات – يستثمر معاناة المواطنين كأداة تفاوضية، إذ إن استمرار الحرب يتيح له الاحتفاظ بموقع تفاوضي مهم أمام التحالف العربي والمجتمع الدولي، بينما أي تسوية شاملة قد تفضي إلى فقدانه جزءًا كبيرًا من نفوذه العسكري والاقتصادي.
بهذا، يبرز خطاب اليدومي الأخير بوصفه نموذجًا صارخًا للفجوة بين القول والفعل: حديث عن مقاومة الحوثيين ومعاناة السكان، يقابله على الأرض شبكة علاقات ناعمة ومصالح اقتصادية مشتركة، تجعل من ازدواجية الحزب سياسة ممنهجة أكثر من كونها مجرد تناقض عابر.
تكتيك "فك الارتباط" مع الإخوان الأم
بعد انحسار النفوذ الإقليمي والدولي لجماعة الإخوان، يسعى حزب الإصلاح اليمني اليوم لتقديم نفسه ككيان وطني مستقل، بعيدًا عن ارتباطاته التاريخية بالتنظيم الدولي، وهو ما عبّر عنه محمد اليدومي حين صرح أن الحزب "حزب يمني مدني لا علاقة له بأي تنظيم خارجي". ورغم هذه التصريحات، يرى باحثون ومحللون سياسيون، مثل الكاتب والصحفي السياسي سعيد بكران، أن هذا الإعلان يمثل مغالطة سياسية مكررة، إذ أن الإصلاح لم يقطع ارتباطاته الفكرية والأيديولوجية مع التنظيم الدولي، لكنه يستخدم استراتيجية "فك الارتباط الظاهري" لتخفيف الضغوط الدولية والمحلية، وضمان قدرته على المناورة السياسية والمالية.
ويشير السياسيون والباحثون إلى أن هذا التكتيك ليس جديدًا على الإخوان، فقد لجأت حركات مثل حماس في فلسطين وحركة النهضة في تونس إلى نفس الأسلوب، معلنة انفصالًا شكليًا عن التنظيم الأم، لكنها حافظت على الولاء الفكري والسياسي والأيديولوجي للمنظومة الإخوانية الدولية. في اليمن، يظهر الإصلاح استخدام هذه الاستراتيجية من خلال إبراز نفسه كطرف وطني يسعى للشراكة والتوافق السياسي، بينما تستمر أدواته التقليدية في السيطرة على مفاصل الدولة، والتواصل مع الجماعات المتطرفة، والحفاظ على مصالحه الاقتصادية في مناطق سيطرة الحوثي والمناطق المحررة على حد سواء.
"فك الارتباط" الوهمي الذي تحدث عنه اليدومي يمنح الإصلاح هامشًا دوليًا ليشارك في المبادرات السياسية وميثاق الشرف السياسي، بينما يضمن في الوقت نفسه شبكات النفوذ المالي والإعلامي المرتبطة بالتنظيم الدولي، والتي تمثل شريانًا للحزب في تمويل حملاته السياسية وإعادة تموضعه في المحافظات المحررة. وبذلك، يخلق الإصلاح حالة ازدواجية متعمدة بين الصورة الوطنية التي يروج لها والخطوات العملية التي تؤمن مصالحه الخاصة، وهو تكتيك استراتيجي يدمج السياسة الداخلية مع أدوات النفوذ الإقليمي، ويتيح للحزب البقاء لاعبًا محوريًا في المشهد اليمني دون التخلي عن ارتباطاته التاريخية.
استراتيجية الإصلاح لإعادة إنتاج النفوذ
الدعوة التي يطلقها حزب الإصلاح إلى شراكة سياسية دون اللجوء إلى انتخابات حرة تُعتبر، وفق مراقبين، رسالة ابتزاز مقصودة موجهة للقوى المحلية والإقليمية، مفادها أن الحزب لن يسمح بأي تحرك ضد الحوثيين ما لم يُضمن له نصيب محدد في السلطة والحكم. ويشير خبراء إلى أن هذه السياسة تعكس إدراك الحزب العميق بأن أي انتخابات نزيهة ستفضح تآكل شعبيته المزمن منذ فوضى 2011، وفقدانه للشرعية الشعبية نتيجة سنوات من الانقسامات والصراعات الداخلية والفشل في تقديم بدائل وطنية حقيقية.
يعتمد الإصلاح بهذا الأسلوب على خيار “الشراكة القسرية”، الذي يتيح له إعادة إنتاج نفوذه في مؤسسات الدولة ومراكز القرار، دون المخاطرة بخسارة مكاسبه السياسية أو الاقتصادية أمام جمهور متغير وشرائح جديدة من المواطنين لم تعد تتأثر بسردية الحزب التقليدية. وتوضح مصادر سياسية أن الحزب يسعى من خلال هذه الاستراتيجية إلى التحكم في مفاصل الدولة: عبر الحفاظ على وجوده في مراكز السلطة التنفيذية والتشريعية والمناصب الحكومية الحساسة، وكذا التأثير على سياسات المناطق المحررة؛ خصوصًا في تعز وعدن، من خلال عرقلة القرارات الاقتصادية أو السياسية التي تصب في صالح السلطة المحلية والمجلس الانتقالي الجنوبي. إلى جانب الاحتفاظ بعلاقات غير رسمية مع الحوثي؛ لضمان بقاءه لاعبًا مؤثرًا في أي تسويات مستقبلية، واستغلال التوترات الأمنية والسياسية لتوسيع نفوذه.
وبذلك، يتحول شعار الشراكة الذي يطرحه الإصلاح إلى أداة تكتيكية مزدوجة: من ناحية يُسوَّق كحل وطني للتوافق السياسي، ومن ناحية أخرى يُستخدم لفرض الهيمنة على الدولة والمجتمع، مع الحد من أي منافسة حقيقية قد تُظهر محدودية قدراته الشعبية والسياسية. ويرى محللون أن هذا النهج يضع الإصلاح في صدارة الأطراف التي تحول مسار استعادة الدولة إلى لعبة مصالح شخصية، بدلًا من تعزيز سيادة الجمهورية وإشراك كل القوى الوطنية في عملية الانتقال السياسي الحقيقي.
معادلة مفضوحة… ازدواجية الدور السياسي للإصلاح
بين خطاب اليدومي المعسول عن "الميثاق الوطني" وصور قيادات حزبه إلى جانب الحوثيين في صنعاء، تتضح معادلة مفضوحة تكشف ازدواجية الدور السياسي لحزب الإصلاح الإخواني في اليمن، وهو نموذج يوازن بين البراغماتية القصوى والانتهازية الاستراتيجية. فالإصلاح، بحسب خبراء سياسيين، أصبح جزءًا من المشكلة أكثر منه جزءًا من الحل، إذ يمارس سياسات مزدوجة تقوّض جهود إعادة الدولة واستعادة سيادتها. تبرز هذه السياسات من خلا رفع شعار مقاومة الانقلاب مقابل فتح قنوات مع قادة الانقلاب، بينما يعلن الحزب بشكل متكرر دعمه لجهود الشرعية ومواجهة مليشيات الحوثي، تظهر الوقائع أن قيادات الإصلاح، خاصة في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، تحتفظ بعلاقات مباشرة وغير رسمية مع قيادات الانقلاب، بما يضمن لهم البقاء والحفاظ على مصالحهم الاقتصادية والسياسية.
وايضًا الترويج للدولة المدنية مقابل الرهان على تقاسم السلطة خارج صناديق الاقتراع، الحزب يدعو إلى شراكة سياسية دون انتخابات، ويعرض نفسه كحامي للشرعية، لكنه في الوقت ذاته يسعى لتثبيت نفوذه في مؤسسات الدولة عبر آليات غير ديمقراطية، ما يحد من فرص التغيير الحقيقي ويعيد إنتاج هيمنة شبكاته في مراكز القرار. إضافة سياسة إدانة القمع الحوثي مقابل التغاضي عن حماية قياداته، فالحزب يدين الممارسات القمعية والانتهاكات ضد المدنيين في مناطق الحوثي، لكنه يتجاهل أن قياداته وقواعده في تلك المناطق تتمتع بالحماية والدعم المباشر، بينما تقع الحملات القمعية على المواطنين العاديين والقبائل الرافضة للهيمنة، ما يفضح ازدواجية المعايير ومصلحة الحزب الضيقة.
تؤكد هذه المعادلة، وفق مراقبين، أن حزب الإصلاح أصبح قوة إعاقة لأي تسوية وطنية حقيقية، وأن ما يُسوق إعلاميًا عن شراكة وطنية أو مشروع وطني لا يعدو كونه واجهة لتغطية مصالحه الخاصة. ويشير الخبراء إلى أن ما يسمى بـ"شراكة الدم" بين الحوثي والإخوان لم تنقطع قط، بل تتجدد باستمرار، متى ما اقتضت حسابات البقاء السياسي والاقتصادي، لتبقى أدوات الحزب متشابكة مع أدوات الانقلاب في استنزاف الدولة والمجتمع.